ترجع أول إشارة تتعلق بجذور سكان القبيلة الملالية الى القرن 6ه/ 12م حيث نقل يعقوب المنصور الموحدي قبائل بني هلال من افريقية الى المغرب تشتيتا لقوتها و لوضع حد لتواطئها مع بني غانية ضد الوجود الموحدي في أفريقية (1). وكانت هذه القبائل الهلالية تتكون من عدة فروع أهمها فرع بني رياح وبني جشم اللذان نقلا كلاهما إلى المغرب الأقصى، و فإنه “أنزل قبيلة رياح من بني هلال ببلاد الهبط. و أنزل قبائل جشم بلاد تامسنا (3) البسيط الأفيح ما بين سلا و مراكش” (4) و كانت قبائل بني جشم هاته تنقسم إلى فروع متعددة من بينها فرع بني جابر الذين “تحيز … إلى سفح الجبل بتادلا وما والاها يجاورون هناك صناكة من البربر فيسهلون الى البسيط تارة و يأوون إلى الجبل في حلف البربر و جوارهم أخرى…” (5).
و يعني هذا أن بني جابر قد استقروا في سهول تادلا المجاورة للسفوح الدنيا لسلسلة الأطلس المتوسط يتنقلون حسب ما يتوفره لهم مجال استقرارهم من سبل العيش التي كانت ترتكز بالأساس على الترحال بحثا عن التكامل الرعوي بين السهول و الجبال المجاورة لها. و قد ظل مجال تنقلهم هذا في بداية الأمر يمتد من قدم سلسلة الأطلس المتوسط الى الحدود الشمالية و الغربية لسهل تادلا قبل أن تقتسم مختلف فرقهم هذا المجال فيما بينها و تستقر كل فرقة في حيز محدد أصبح بحكم التطور الزمني خاصا بها. و فعلا سجل التاريخ وجود بني جابر في تادلا منذ بداية الدولة المرينية بدءا من سنة 666ه/ 1268م حين هاجم ” السلطان المريني ( أبو يوسف) يعقوب تادلا و غزاها و أغار على قبيلة الخلط العربية الجشمية التي كانت حليفة للموحدين فيها. إلا أن هذه القبيلة عجزت عن مقاومته على الرغم من العون الذي قدمه لها الموحدون و ذلك بسبب تخلي عرب بني جابر عن مساندتها” (6).
إقرأ أيضا:ثورة الخوارج في بلاد المغرب دراسة بناء على أقدم الحوليات العربية المتوفرةواستمر ذكرهم خلال القرن 8ه/14م لما ثار الحسن بن عمر، عامل مراكش، على السلطان المريني أبي سالم ابراهيم في 761ه – 1360م “فلحق بتادلة منحرفا عن السلطان… فتلقاه بنو جابر من جشم و أجاروه” (7) قبل أن يعتصم بالجبال. وفي القرن 10ه/ 16م سجل المؤرخون وجود بني جابر على ضفاف وادي العبيد. فقد أشار الحسن الوزان إلى مجاورتهم لمدينة تفزة (وهو بصدد وصف بعض المعارك التي خاضها الوطاسيون مع سكان تادلا حيث ” حشد … القائد (الزرانكي) جيشه و أخذ يهاجم تفزة … و استغات بجيرانه من أعراب بني جابر… ” (9) و ذكرهم أحمد بن القاضي أثتاء معركة دارت رحاها بين آخر ملوك الوطاسيين و أول ملوك السعديين سنة 943ه/ 1537م حين ” … التقى الجمعان على وادي العبيد من بلاد جابر …” ( 10) و أشار الناصري في مشاركتهم الفعلية في الصراع الدائر بين أبناء أحمد المنصور الذهبي على الحكم بعد وفاته في بداية القرن 11ه/17م . ومع توالي السنين تفرعت قبائل بني جابر نفسها الى عدة فصائل إقتسمت المجال التادلي الواسع فيما بينها فاستقرت أكبر فرقها وهي بني عمير في غربه على الضفة اليمنى من الحوض الأوسط لواد أم الربيع. و انتشرت قبيلة بني موسى في الضفة اليسرى من نفس المنطقة الغربية،في حين تفرقت قبيلة بني معدان في الشمال الشرقي من مواطن بني ملال الحالية.
إقرأ أيضا:دراسة جينية عن سكان بني ملال وجماعة بني هلال بدكالة تؤكد الأصل العربي للمغاربةواستقرت بني ملال نفسها في المنطقة التي تنحصر بين بني موسى و واد درنة (11).
بناءا على ما سبق نتبين بأن أهم فروع عرب بني جابر المستقرة في تادلا أربعة هي نبي عمير، بني موسى، بني معدان و بني ملال، هذه الفروع الأربعة صادفتا ذكرها مرارا و تكرارا في الوثائق و المصادر المتعلقة بتادلا منذ ما يزيد على قرنيين من الزمن تقريبا و خاصة في المراسلات المخزنية المتنوعة مع مختلف قبائل تادلا (12).
عناصر السكان :
يتضح مما سلف بأن سكان بني ملال ينتسبون أصلا الى بني جابر المتفرعين عن بني جشم المنحدرين بدورهم من بني هلال الوافدين على المغرب من افريقية ( تونس الحالية) ابتداءا من ق 10ه/ 16م لكن الأصل العربي لهؤلاء المهاجرين لم يظل خالصا بل انضافت اليه عناصر أخرى محلية أو إقتفت أثره فيما بعد من تونس و الجزائر و من شرق المغرب و جنوبه.
إقرأ أيضا:دراسة جينية عن سكان بني ملال وجماعة بني هلال بدكالة تؤكد الأصل العربي للمغاربة_____________________
(1) علي بن أبي زرع، الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب و تاريخ مدينة فاس، ص. 218، الرباط، 1972.
(2) أي في سهول السايس و الغرب و الشاوية.
(3) أي سهول تادلا و الحوز و دكالة و عبدة.
(4) أحمد بن خالد الناصري، كتاب الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى ، الجزء 2، ص. 168، الدار البيضاء، 1956.
(5) عبد الرحمان بن خلدون،تاريخ ابن خلدون، الجزء 6، ص.30، بيروث، 1971.
(6) Eacyclopedie de L’islame,tome 4, p. 632, Tadla, 40..
(7) العباس بن ابراهيم السملالي،الأعلام بمن حل مراكش و أغمات من الأعلام، الجزء 3، ص.145، الرباط، 1977.
(8) الحسن الوزان، وصف إفريقيا،الجزء 1، ص. 177، الرباط، 19