شعب المور (Mauri) أو الموروسي (Maurusii)، كما ذكر المؤرخون الإغريق والرومان هو شعب أسيوي كان ذو قوة وصلابة، إستطاع بها إحتلال أكبر جزء من موريطنة الطنجية (المغرب حاليا)، وإستوطنها لعدة عقود، كما إتخدت المنطقة إسمهم وهي مملكة موريطنة، وبالتالي هو من الشعوب الشمال إفريقية القديمة الأصلية. فما هو إذن أصل الموروسي وكيف كانت نهايتهم ؟
أولا : أصول شعب المور
إن أصل شعب المور يعود إلى أسيا كما اسلفنا ، فهم من القبائل الأرية الهندية التي هاجرت لشمال إفريقيا مع هرقل يقول هيروديت أبو تاريخ (484 ق. م) عن أصل المور في سياق حذيثه عن الهجرة الهندية الأرية :
.
” إن اتحاد الغزاة الآريين مع السكان القدامى للساحل الذي نشأ من فوت أدى إلى ولادة الموري ، أو ماوروسي”.
راجع كتاب : History for ready reference and topical reading, vol 4, Her, Iv, 198, page 2390
وهذا ما أكده المؤرخ اليوناني سترابو (64 ق. م) الذي، عاين بلاد المور ولغتهم وطبائعهم أثناء هجرته الشهيرة لإفريقية فقال عن أصل المور او الموريسي :
إقرأ أيضا:قبائل دكالة العربية.
” موري أو موروسي أناس كثيرون وأثرياء وهم هنود جاءوا مع هرقل “.
راجع كتاب: The Penny Cyclopaedia of the Society… Volume 3, p429
وما أكده هيروديت وسترابون حول الأصل الهندي الأسيوي للمور، نفسه سيقول به المؤرخون الرومان بعدهم فنجد المؤرخ الروماني، ساللوستيوس (86 م) يقول في كتابه الحروب اليوغرطية، عن أصل المور في معرض حذيثه عن الميديين والأرمينيين في شمال إفريقية :
.
“و بمرور الوقت غير الليبيون اسم هذه الشعوب و دعوهم في اللغة البربرية أي الأجنبية ، ( المافري، الماوري، الموريين Mauri) ، بدلا من الميديين« Medi »”.
راجع كتاب الحروب اليوغرطية لساللوستيوس نسخة مترجمة للعربية ص33
والميديين هم أحد الأقوام التي استوطنت مناطق جبال زاكروس قرب بلاد الشام قديما ويرجع أصلهم إلى الشعوب الأسيوية القديمة، وهو ما يتطابق مع ماقاله المؤرخون قبله.
وقد أعطى ميكيافيلي تدقيقا أكثر حول أصل هؤلاء الموروسي على أنهم من بلاد سوريا أي الشام العربية فيقول :
إقرأ أيضا:قبيلة المهاية الهلالية بالمغرب الاقصى“ طردت الحرب الشعوب من ديارها وأجبرت على البحث عن أراض جديدة. أريد أن أذكر مثال الموروسي، الشعوب القديمة في سوريا الذين سمعوا الشعب اليهودي قادمًا، وحكموا على أنهم لا يستطيعون مقاومتهم، اعتقدوا أنه سيكون من الأفضل إنقاذ أنفسهم ومغادرة بلدهم بدلا من الحرب ؛ فاستيقظوا مع عائلاتهم، وذهبوا إلى إفريقيا، حيث استقروا، وطردوا أي سكان وجدوا في تلك الأماكن. ويضيف مكياڤيلي قائلا ؛ يقول بروكوبيوس، الذي كتب حرب بيليساريوس ضد الفاندال الذين احتلوا إفريقيا، أنه قرأ النقش التالي المنقوش على أعمدة أقيمت في هذه الأماكن (طنجة، الشام) : {Nos Maurusii, qui fugimus a facie Jesu la- tronis filii Nave}، الذي يشير بوضوح إلى سبب فرارهم من سوريا.“.(راجع هنا)
وما قاله مكيافيلي وغيره من المؤرخين القدامى يعرف إجماعا وتواترا وهو ما أكده كذالك المؤرخ الإسكتلندي والتر غراهام بلاكي (قرن 19م)، فيقول في مجلده المخطوط : ” موري أو موروسي وماسيلي ومازييس وجاتولي…، من المفترض أن هؤلاء الناس، كما قال الكتاب الرومان، جاءوا من آسيا، وخاصة من بلاد فارس قديما (كانت تظم أجزاء من الجزيرة العربية حاليا) ”. (راجع هنا)
إقرأ أيضا:كتاب 《غناء العيطةالشعر الشفوي والموسيقى التقليدية في المغرب》 لمؤلفه حسن نجميأما المجلة التاريخية الإنجليزية «La colmena»، المنشورة سنة 1845م فقد ورد فيها خلاصة لما قاله المؤرخون القدامى عن الموروسي : “ يبدوا أن العرب الكنعانيين، الذين طردهم اليهود تحت قيادة يشوع، ذهبوا للاستقرار في أفريقيا، مما أدى إلى ظهور أمة المورو أو موروس هناك.“. {راجع هنا}
وعليه فإن ما تجمع عليه المصادر القديمة اليونانية والرومانية والمعاصرة بالتواتر هو الأصل الأسيوي المشرقي لشعب الموريسي أو الموري، كغيره من الشعوب الاخرى المشرقية التي إستوطنت شمال إفريقيا كالفينيقيين العرب والأرمينيين… إلخ.
ثانيا : نهاية شعب المور
كغيره من الشعوب الشمال إفريقية القديمة، شعب الماوري (Maurusii)، سيتعرض لإبادة تدريجية عبر الحروب التي خاضها ضد القبائل المجاورة والرومان وسيتناقص عددهم لعائلات معدودة إلى أن تأتي نهايتهم على يد الوندال البرابرة الذين غزوا شمال إفريقيا، يحكي لنا المؤرخ الروماني بليني الآكبر (Pliny the Elder) عاش سنة (20 م) ، في مجلده للتاريخ الطبيعي حول شعب المور في سياق كلامه عن مملكة موريطنة الطنجية :
” يبلغ طول مقاطعة تنجيتانا 170 ميلاً . من بين الأمم في هذه المقاطعة ، كانت الرئيسية هي قبيلة الموري، وقد أطلق عليها العديد من الكتاب الموروسي . لقد أضعفت كوارث الحرب هذه الأمة إلى حد كبير ، وتضاءلت الآن في عدد قليل من العائلات فقط “.
راجع كتاب : The Natural history of pliny, chapter 1, Page 888
وبالتالي فإن قبيلة المور بدأت إبادتها التدريجية منذ عهد بليني الأكبر، فالأقلية التي بقت من هذا الشعب سيتم إِسْتئْصَالها إلى جانب باقي القبائل في موريتانيا الطنجية والقيصرية، على يد الواندال (Vandals)، في غزوهم الوحشي في عهد الإمبراطور الروماني هونوريوس (Honorius)، حوالي 424 م، فقد قام الوندال بإبادة جماعية لسكان المنطقة القدامى وإرتكبوا المجازر في حقهم بل حتى المباني لم تسلم منهم فخربوا المدن وهدموها، وأصبحت البلاد خرابا، ولم يعد يستوطن بلاد موريتانيا ونوميديا إلى هم، جاء في موسوعة بيني الأمريكية لنشر المعرفة المجلد الثالث (The Penny Cyclopaedia… Volume 3)، الصفحة 429 :
.
” في ظل حكم هونوريوس الضعيف والمبذر ، انتقل الفاندال الذين استقروا في جنوب إسبانيا إلى إفريقيا ، 428 م ، دعا ملكهم ، جينسيريك… ، إحتل الفاندال الجزء الأكبر من شمال إفريقيا ، حيث ارتكبوا أفظع الأعمال الوحشية ، وقاموا إلى حد كبير بتطهير البلاد من سكانها السابقين “.
وفي نفس السياق جاء في الموسوعة الإنجليزية المجلد الاول، (The English Cyclopaedia, Part 1, Volume 1) ص879 :
.
“في عهد هونوريوس الفندال الذين إستقروا في جنوب إسبانيا، غزوا شمال إفريقيا سنة 428م بدعوة ملكهم جينسيريك، بدعم من الكونت بونيفاس الروماني، فقاموا بأفضع الأعمال الوحشية، وطهروا البلاد من سكانها السابقيين “.
وعليه فإن السكان الذين بقوا مستوطنيين للمنطقة بعد الغزو هم الوندال وأقليات هاربة من السكان الأصليين تذكر المراجع أنهم هلكوا بالجوع بعدما أحرق الوندال المحاصيل والحيوانات، وقذ حكم خلفاء جينسيريك لمدة قرن تقريبا ، حتى زمن الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول (Justinian I) حيث ستعود البلاد لحكم الإمبراطورية البيزنطية وستظل على هذا الحال حتى إعادتها وفتحها من طرف العرب المسلميين .
توضيحات ( المور عصر الإسلام )
بعدما أشرنا سالفا لشعب الموروسي البائد، سنذكر بإيجاز الفرق بين إسمه ومصطلح المور، الذي سيطلق على السود والبربر والعرب وبعدها المسلمين عامة.
إن الشعب الموروسي كان يسمى ب (Maurusii)، أو (Mauri)، أما المصطلح الذي سيطلقه الروم والغرب بعدهم عن العرب هو مورو (Moor)، هذه الكلمة على عكس تسمية شعب الموروسي، مستمدة من الكلمة اليونانية ماوروس (Mauros)، وتعني الأسود أو الأكحل ، وبالتالي وجب التنبيه إلى الغلط الذي يقع فيه الكثير بربط كلمة (Mauri) بكلمة (Mauros)، فالنطق يختلف والمعنى كذالك، الأولى كلمة عرقية لشعب قديم، والثانية مصطلح واسع المجال لايخص عرقا معينا .
فمطلح مور (Moors)، أطلقه الروم على السود عامة، وعلى القبائل البربرية السوداء التي كانت تقطن شمال إفريقية من السودان لموريتانيا حاليا.
جاء في قاموس أوكسفورد الإنجليزي :
.
“كلمة مور (Moor) من الكلمة اليونانية (Mauros) ، وتعني المظلم أو الأسود”.
The Oxford English Dictionary (New York, Oxford University Press, 1977, p. 846)
بالطبع أطلق الغرب هذا المصطلح على العرب والمسلمين كإحتقار ، وكان شائعا على مسلمي الأندلس، أكثر من أي بلد أخر، جاء في الموسوعة البريطانية :
.
“مور ، في اللغة الإنجليزية، فرد من السكان المسلمين في الأندلس ، والآن إسبانيا والبرتغال . من أصول عربية وإسبانية وبربرية مختلطة “.
Moor people, (Encyclopaedia Britannica).
وفي نفس السياق جاء في موسوعة تشامبرز :
.
” مصطلح مور أطلقه البعض الآخر على من هو مزيج من الدم العربي…، في التاريخ الأوروبي ، ينطبق المصطلح بشكل عام على سكان المناطق البربرية… ،وعلى السكان الفعليين للمغرب ، ولكن بمعنى خاص على العرب والبربر “.
CHAMBERS’S ENCYCLOPEDIA, A DICTIONARY OF UNIVERSAL KNOWLEDGE, PAGE 301.
ويذكر مارتين كاريو (ت. 1630م) في الكتاب الثالث من “حوليات ومذكرات كرونولوجية” (Annales y Memorias Cronologicas)، عن هوية المور :
Por esto son llamados Mauros, o Moros, y tambien Alarbes; porque vinieron de Arabia
ومعناه أن المور يُدعَون أيضا “العرب”، وذلك لأنهم أتوا من الجزيرة العربية.
تقول دانييلا فليسلر (Daniela Flesler)، أستاذة في قسم الآداب واللغات الإسبانية بجامعة ستوني بروك، عن مصطلح المور في العصر الإسلامي :
” يشير مصطلح “المور”، إلى مسلمي شمال إفريقيا ذوي الأصول العربية والبربرية المختلطة “.
THE RETURN OF THE MOOR Spanish Responses to Contemporary Moroccan Immigration, page 3
مراجع :
كتاب : History for ready reference and topical reading, vol 4, Her, Iv, 198, page 2390
كتاب : The Natural history of pliny, chapter 1, Page 888
كتاب : The Imperial gazetteer a general dictionary of geography… By W. G Blackie, volume 11
كتاب : The Penny Cyclopaedia of the Society… Volume 3, p429
كتاب الحروب اليوغرطية لساللوستيوس نسخة مترجمة للعربية.