تعد قبيلة بني معقل أكبر قبائل العرب في المغرب خاصة وشمال إفريقيا عامة، وقد ذكر إبن خلدون الحضرمي أنهم من “ أوفر قبائل العرب“، وكان دخول هذه القبيلة لبلاد المغرب مع بني هلال في عدد قليل يعادل مائتي فرد قبل أن توافد باقي شعوب القبيلة لينتشرو في بلاد المغرب مكتسحين جميع فيافيه، فيقول عن ذالك إبن خلدون في فصل طويل :
“هذا القبيل لهذا العهد من أوفر قبائل العرب ومواطنهم بقفار المغرب الأقصى مجاورون لبني عامر من زغبة في مواطنهم بقبلة تلمسان، وينتهون إلى البحر المحيط من جانب الغرب، وهم ثلاثة بطون: ذوي عبيد الله وذوي منصور وذوي حسان. فذوي عبيد الله منهم هم المجاورون لبني عامر ومواطنهم بين تلمسان وتاوريرت في التل وما يواجهها من القبلة. ومواطن ذوي منصور من تاوريرت إلى بلاد درعة فيستولون على ملوية كلها إلى سجلماسة وعلى درعة وعلى ما يحاذيها من التل مثل تازة وغساسة ومكناسة وفاس وبلاد تادلا والمقدر. ومواطن ذوي حسان من درعة إلى البحر المحيط، وينزل شيوخهم بلاد نول قاعدة السوس فيستولون على السوس الأقصى وما إليه، وينتجعون كلهم في الرمال إلى مواطن الملثمين من كدالة مستوفة ولمتونة “. (راجع هنا)
إقرأ أيضا:إنسان إيغود والبشر المعاصرينوقد وصف ليون الإفريقي كثرة عرب الأوداية فقط وهم فرع من بني معقل يرجع ل أودي بن حسان بن مختار بن محمد بن معقل قائلا : “ وتسكن الأودايه الصحاري الواقعة بين وادان وولّاته ولهم قيادة السود وعددهم لا يكاد يحصى، إذ يقدرون بحوالي 70000 رجل حرب“. (راجع هنا)
ويذكر الرحالة الأندلسي الحاج عبد الله بن الصباح (القرن 8هـ )، في كتابه نسبة الأخبار وتذكرة الأخيار ، واصفا عرب المعقل في بلاد بني مرين وبلاد بني عبد الواد : “ وعلى بلاد بني مرين وعبد الواد قبائل المعقل أعراب كثيرو الخيل والرجال. وعلى بلاد عبد الواد قبائل بني عامر الكرام الأجواد أصحاب كثرة العدد، وقبائل بنو يعقوب وسويد وحسين ورياح المعروفون بكثرة النجوع والخيل والرجال وكثرة العدد “. (راجع هنا ص69)
أصل القبيلة
ينقسم المؤرخون في نسب بني معقل لقسمان، الأول ينسبهم لقحطان من عرب اليمن كما ذهب إبن خلدون، بينما الثاني ينسبهم لجعفر الصادق وهذا هو النسب المتواتر سواءا لدى شيوخ القبيلة أو لدى المؤرخين القدامى كالناصري وغيرهم كثير.
إقرأ أيضا:الصحراء المغربيةقال ابن خلدون في مقدمته، “ أصلهم يعود إلى المعقل من عرب اليمن وجدهم اسمه ربيعة بن كعب بن ربيعة بن كعب بن الحارث، من الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن مذحج بن أدد بن زيد بن كهلان على قول ابن خلدون اما نسابتهم فيقولون والقول دائما لابن خلدون انهم من آل البيت من بني جعفر الطيار وجدهم معقل بن موسى الهراج بن محمّد بن جعفر الأمير بن إبراهيم الأعرابي بن محمد الجواد بن علي الزينبي بن عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب”.
كما ورد في كتاب طلعة المشتري في النسب الجعفري، للكاتب أحمد بن خالد الناصري السلاوي، أن جدهم هو معقل بن موسى الهراج بن محمّد بن جعفر الأمير بن إبراهيم الأعرابي بن محمد الجواد بن علي الزينبي بن عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب.
الهجرة المعقلية
إن قبائل المعقل لم تدخل المغرب مجتمعة كما هو الشأن لبني هلال، وإنما توافدت بشكل تدريجي بدأ مع التغريبة الهلالية في عدد قليل ثم تلاه في هجرة واسعة كان لها أثر كبير على ديموغرافية المغرب وتعريبه بشكل تام.
إقرأ أيضا:الجيش المخزني السعدي (التأصيل)يقول إبن خلدون في هجرتهم الأولى : “ وكان دخولهم إلى المغرب مع الهلاليين في عدد قليل يقال إنهم لم يبلغوا المائتين“.
وكان السبب في قلتهم هو معارضة بني سليم لهم بحيث يضيف إبن خلدون قائلا : “ واعترضهم بنو سليم فأعجزوهم وتحيّزوا إلى الهلاليين منذ عهد قديم ونزلوا بآخر مواطنهم مما يلي ملوية ورمال تافيلالت “.
ولم يستطع المعاقلة التوسع والتكاثر في بلاد المغرب إلا بعد ملك زناتة للبلاد (بني مرين) ونزوحهم من الصحراء للمدن، فتركوا الصحراء للمعاقلة الذين سيستولون عليها بشكل تام.
يقول إبن خلدون الحضرمي عن هذا : “ وجاوروا زناتة في القفار والغربية فعفوا وكثروا وأنبتوا في صحارى المغرب الأقصى، فعمروا رماله وتغلبوا في فيافيه. وكانوا هناك أحلافا لزناتة سائر أيامهم. وبقي منهم بإفريقية جمع قليل اندرجوا في جملة بني كعب بن سليم وداخلوهم حتى كانوا وزراء لهم في الاستخدام للسلطان، واستئلاف العرب. فلما ملكت زناتة بلاد المغرب ودخلوا إلى الأمصار والمدن. قام هؤلاء المعقل في القفار وتفردوا في البيداء فنموا نموا لا كفاء له، وملكوا قصور الصحراء“.
وعليه فإن المعاقلة كانو في بدايتهم أحلافا لزناتة مجاورين لهم فلم تكن بينهم عداوة بل تحالف، ولم يفرض المعاقلة سيطرتهم وتوسعهم القبلي في بلاد المغرب إلا بعد ملك زناتة ونزوحهم للمدن وتركهم للصحراء.
ويشرح لنا إبن خلدون عن سبب كثرتهم الهائلة موضحا : “وإنما كثروا بمن اجتمع إليهم من القبائل من غير نسبهم فإن فيهم من فزارة من أشجع أحياء كبيرة، وفيهم الشظة من كرفة والمهاية من عياض، والشعراء من حصين والصباح من الأخضر ومن بني سليم وغيرهم “. (راجع هنا)
وهو ما فسره الشيخ محمد الإمام بن ماء العينين قائلا : “ثم إلتحق أحياء من هذه المعاقل الثلاث التي ذكرنا ببني سليم وبني هلال زمنهم بالصعيد فجمعتهم الدار وإتحاد الإسم فصار يطلق عليهم جميعا عرب معقل والأكثر من الناس لا يميز بين هذه المعاقل فيجعلهم معقلا واحدا“. (راجع هنا)
ونشير هنا إلى أن ابن خلدون يعتبر من أوثق المؤرخين عن أخبار عرب المعقل، ومجالاتهم وأيامهم مع زناتة وخلفائهم في المغرب،كونه عاصر فترة دخولهم لبلاد المغرب، وقد عقد في كتابه (العبر …) فصلا طويلا عن هؤلاء العرب.
الهجرة المعقلية في المؤلفات الغربية
لقد نالت الهجرة المعقلية إهتمام العديد من الباحثين على مستوى العالم وذالك لما كان لها من أثر على ديموغرافية المغرب وثقافته.
جاء في كتاب { مجمع تاريخ إفريقيا } الصادر عن منظمة اليونيسكو في الصفحة 89 : “ من أهم التطورات في عهد المرينيين تزايد أهمية العرب في المغرب، فقد سبق للعرب أن وفدوا للمغرب بعدد كبير في عهد الموحديين وساهموا في تغيير البلاد وطابعها البربري. وقد كانت سياسة بني مرين تجاه العرب يمليها الضعف العددي لأتباعهم من زناتة مقابل العرب ، لذلك رحبوا بدعم العرب لهم ، وهذه الظروف ساهمت في وفود قبائل عربية أخرى وتوسع النطاق العربي في المغرب ، حيث استقر معظمهم في السهول … وأصبحت اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد “. (راجع هنا)
يقول عالم الأنتروبولوجيا بجامعة ميشيغن الأمريكية جون تشيابوريس (John Chiapuris) : “ هجرة القبائل العربية إلى المغرب…، وصل بنو هلال إلى السهوب الشمالية الشرقية من المغرب في القرن الثاني عشر، حيث أوقفهم المرابطون من زحف أبعد، وفي عهد الموحدين تم إدخالهم إلى سهول المحيط الأطلسي للغرب (سفيان ، بنو مالك)، وتادلة (بني عامر ، بني موسى)، والحوز. وفي القرن الثالث عشر وصل بني معقل واستقروا على طول سهول ما قبل الصحراء وتافيلالت، وعندما كانت السلالات الحاكمة من الموحدين والمرينيين قوية، كانو يمنعون المعقل من دخول وديان الأطلس، لكن مع تراجع سلطة المرينيين وضعفهم، توسعت مجموعتان من المعقل (بني أحسن «حسن» وزعير) من خلال طريق يمر عبر الأطلس الكبير والأطلس المتوسط باتجاه الشمال الغربي، واحتل بني حسن وديان ملوية وأجمير بحلول القرن الرابع عشر…، بحلول القرن السادس عشر…، ووصلوا في النهاية إلى السهول المنخفضة في القرن السابع عشر. أما زعير فتتبعوا مسارًا آخر عبر منطقة خنيفرة إلى موقعهم الحالي من خلال تسلسل زمني مماثل “.(راجع هنا)
وجاء في مؤلف (Global Restructuring and Peripheral States.. ) الصادر عن جامعة كامبردج البريطانية حول هجرة بني معقل : “ إن عملية التعريب الإثني – اللغوي للبلاد لم تبدأ حتى حوالي القرنين الثالث عشر والرابع عشر، عندما كانت العديد من القبائل العربية من بني معقل قد نزحت جنوبا إلى الصحراء من قبل سلالة زناتة المرينيين في المغرب. كان المعقل جزءًا من الهجرة العربية الهائلة لبني هلال وبني سليم الذين اجتاحوا شمال إفريقيا في القرن الحادي عشر.
…، تغلب فرع واحد من المعقل، وهم بنو حسان، تدريجياً على قبائل صنهاجة القائمة بالفعل في الصحراء، وبحلول القرن السابع عشر، سيطرت قبائل حسان على الجميع ما هو الآن موريتانيا “.
وعن وصف عرب الصحراء المعاقلة نذكر ما قالته كاثرين هوتون (Catherine Hutton)، ابنة المؤرخ ويليام هاتون (William Hutton)، في مؤلفها الصادر سنة 1821م، تحت عنوان {The tour of africa}، وهو تجميع لوصف كل دول إفريقية حسب روايات الأوروبيون الذين زاروها، وفيه عن وصف عرب المغرب قسم “عرب الصحراء“ :
“ العرب في الصحراء {من المغرب لتومبوكتو}، هم أبناء العرب القدماء، وشجاعتهم وفصاحة لغتهم هي نفسها التي كانت في شبه الجزيرة العربية في زمن محمد رسول الله {ﷺ} قبل اثني عشر قرنًا. تتميز لغتهم بتركيزها القوي وإيقاعها الأنيق، فعندما يتحدث العرب بشكل سلمي، فإن ذلك يضرب على الأذن مثل موسيقى الرياح الهادئة. وحينما يتكلمون بغضب يشبه ذالك زئير وحش غاضب من الجوارح “.(راجع هنا)
فروع قبيلة المعقل
فروعها ثلاثة مختار، وعثمان، وحسان.
تشتمل مختار على روحة وسليم وعثمان على حاسن، وكنانة. وحسان على ذوي حسان وذوي عبيد الله، وذوو حسان على دليم، والأوداية، والبرابش والرحامنة، وأحمر. ويشتمل ذوو منصور على العمارنة والمنابهة، وأولاد حسين، وأولاد أبي الحسين. وينقسم بنو عبيد الله بدورهم إلى خراج وحدج، وثعلبة، وجعوان. وتتفرع كل هذه القبائل إلى بطون عديدة يصعب بل يستحيل استحضارها، ونذكر منها أشهر فروع قبائل المعقل كالتالي :
أولاد دليم : وهم من أولاد بويا اعلي بن أعمر الفائز بن أرميث بن أمعرف بن دليم بن حسان بن المختار بن عقيل بن معقل.
الأوداية : عرف هذا الفرع من القبيلة، في عهد الدولة العلوية الشريفة بعسكر الأودايا. يقول عنه صاحب الإستقصا : ” هذا الجيش من أمثل جيوش هذه الدولة الشريفة، وهو ينقسم إلى ثلاثة أرحاء رحى أهل السوس، ورحى المغافرة ورحى الودايا ويطلق على الجميع ودايا تغليباً فأما أهل السوس فمنهم أولاد جرار وأولاد مطاع وزرارة، والشبانات وكلهم من عرب معقل، وكانوا في القديم جنداً للدولة السعدية، وكان ملوكها يستنفرونهم للغزو بحللهم لاعتيادهم ذلك أيام كونهم بالصحراء، ثم أنزلوهم ببسيط ازغار مراغمة لعرب جشم من الخلط وسفيان وغيرهم “.
المغافرة : نسبهم يعود لمغفر بن أودي بن حسان بن مختار بن محمد بن معقل.
البرابيش ؛ أبناء بربش بن حم بن حسان . (راجع هنا) قال عنهم الحسن الوزان 1494م ؛ “وتنقسم ذوى حسان إلى دليم والأوداية والبرابيش والرحامنة وأحمر”. (راجع هنا)
الرحامنة : يعود نسبهم إلى أولاد رحمون بن رزق بن أودي بن حسان بن مختار بن محمد بن معقل . يقول الفقيه الكانوني عن الرحامنة : ” هذه القبيلة من عرب معقل وأوفر القبائل وأكثرها ذاث شوكة وشدة “.
الشبانات : ويعود نسبهم إلى شبانة بن مختار بن محمد بن معقل.
الشراردة : من قبائل الغرب وتعود أصولها لعرب بني معقل، نزحوا من حوز مراكش كما ذكر صاحب الإستقصا: “هؤلاء الشراردة أصلهم من عرب معقل من الصحراء وهم طوائف، زرارة والشبانات وهم الخلص منهم ويضاف لهم بعض أولاد دليم وتكنة وذوو بلال وغيرهم، وكانت منازلهم في دولة السلطان الأعظم سيدي محمد بن عبد الله غربي مراكش على بعد يوم منها فنشأ فيهم الشيخ أبو العباس الشرادي… “.
ويقول إبن زيدان العلوي مؤرخ المملكة المغربية عن الشراردة : ” أصل الشراردة من عرب معقل الصحراء وهم خلصهم استخدمهم السلاطين جنودا نظاميين في جيشهم ووزعوهم على مختلف معاقل المغرب ومراسيه فلا تكاد تجد واحدا منها الا وحوله عشيرة من عشائرهم“.
بني احسن (بن حْسَنْ) : قبيلة عربية مغربية تقع بجهة الغرب ويعود أصلها لعرب المعقل، فهم أبناء الحسن بن منصور بن محمد بن معقل . وقبيلة بني احسن هي موطن مدينة سيدي سليمان وعاصمتها الادارية وقاعدتها القبلية، كما تقع مدينة القنيطرة في الطرف الغربي للقبيلة.
قبيلة أولاد بوزرارة : قبيلة عربية معقلية، ذكرهم صاحب الإستقصا بقوله “ أولاد جرار وأولاد مطاع وزرارة والشبانات وكلهم من عرب المعقل “.
أولاد جرار : هـم عـرب مـعقـل ، استقروا بسـوس فـي فـتـرة علي الزنكدري ( ق 14/13 )، ونسبهم يعود لجرار بن عرفة بن فارس بن حسين بن منصور بن محمد بن عقيل بن معقل بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب . (راجع هنا)
عرب زعير : إتحادية قبائل عربية كبيرة من بني معقل الذين تمكنوا في أواخر عهد بني مرين ، من التوغل في المغرب عبر الأطلس ، وتنقسم القبيلة إلى قسمين كبيرين وهما : قبائل الكفيان و قبائل المزارعة. يقول العلامة المؤرخ إبراهيم حركات في حق قبائل زعير :
“إذا ما رجعنا إلى أقدم الإشارات عن زعير تجدها تتفق على أن زعير من القبائل العربية التي هاجرت إلى المغرب، وإلى حدود القرن السادس عشر الميلادي كانت زعير مستقرة بالأطلس المتوسط”.
ويذكر محمد بن عبد الكريم، أبو عبد الله العيدوني (توفي 1775م) ، في وصف أحد شخصيات قبيلة زعير وهو سيدي محمد بن مبارك : ” وقد نسبه بعض الأئمة إلى عرب وطنه زعير نحا منحاه صاحب كتاب الأعلام بمن حل لأغمات و مراكش من الأعلام لأبي العباس محمد ابن إبراهيم قاضي مراكش “.
كما ذكر ليون الإفريقي عرب زعير في كتابه وصف إفريقية فقال : “وهناك أراضي صالحة جدا للقمح والرعي، وهي سهول في أيدي عرب يسمون (زعير) من أتباع الملك… ،حقا إن عرب زعير كثيرا ما يضايقهم عرب آخرون اسمهم (حسين)”.
______
مراجع مهمة :
✔️ كتاب الحسوة البيسانية في علم الأنساب الحسانية (هنا)
مقالات مهمة :
✔️ القبائل العربية في المغرب (هنا)
✔️ ديموغرافية المغرب عبر التاريخ (هنا)
✔️ إستعراب بلاد المغرب (هنا)