ديباجة المقال :
كنت مترددا من الكتابة حول ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم، خاصة وأنني أعلم أننا في عصر فشو القلم، وأن الجميع يكتب حول هذه الذكرى وأنني ربما لن أضيف شيئا، وهذا من تثبيط الشيطان للإنسان، أن يزهده في أعمال البر، لكنني قررت في الأخير أن أكتب ما تجود به قريحتي وما تخزن ذاكرتي من ذكريات مع السيرة النبوية، وهو مقال على بساطته أهديه للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأقول له أننا سنبقا على العهد، سنبقا على المحجة البيضاء كما تركنا أيها الحبيب صلى الله عليك وسلم.
يتكرر الجدل في كل شهر ربيع الأول من كل عام هجري حول مدى شرعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وحقيقة الأمر واضح وجلي ولا يحتاج لفتوى هيئة علمية معينة، فديننا الحنيف به عيدان : فطر وأضحى، ومن سمى مناسبة أخرى بأنها عيد فهو يتحمل مسؤوليته أمام الله بإحداثه بدعة في دينه، والمعلوم لدى عموم المسلمين أن يوم ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم هو يوم وفاته: 12 ربيع الأول، فكيف يُعقل أن تحتفل بيوم وفاة سيد الخلق أجمعين!! والصحابة أظلمت عليهم المدينة في هذا اليوم.
أتذكر كمسلم عامي أنني اطلعت صدفة على سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم حينما كنت أدرس في المستوى السادس ابتدائي، وكنت أبلغ من العمر أنذاك اثنا عشر ربيعا، اقترضت الكتاب من إحدى الأخوات التي كانت تدرس معنا في الفصل، وقرأته من شغفي به في فترة التحضير للامتحان النهائي الخاص بالسلك الابتدائي، كنت أستغل فرصة الاستراحة من التحضير لأقرأ بضع صفحات من سيرة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، كان عنوان الكتاب :”الرحيق المختوم” لصفي الدين المباركفوري رحمه الله، ولازلت أتذكر لحظة اجتياز امتحان التربية الإسلامية التي كنت أحبها ولازلت، أن الأستاذ بدأ يشرح لنا وضعية الامتحان التي كانت في السيرة وتتحدث عن الهجرة النبوية وخاصة موقف الغار، وتطويق المشركين للغار والنبي الخاتم وصاحبه أبو بكر الصديق داخله، ولما بدأ المعلم جزاه الله خيرا بتلاوة الآية 40 من سورة التوبة :”إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”أحسست بقشعريرة وخشوع وتفاعل مع الآية لازلت أتذكر تلك اللحظة لحد الآن ولم أنساها رغم مرور سنوات عدة(من حبي للآية حفظتها).
ومنذ تلك اللحظة وأنا أهتم بسيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم وقرأت والحمد لله بعض كتب السيرة، لكن لازلت أتمنى أن أقرأ أكثر، لكن الشعر يجذبني له، خاصة حينما يمدح سيدنا وحبيبنا محمدا صلى الله عليه وسلم، فحينما يقول أحمد شوقي الشاعر الكبير في قصيدته : وُلد الهدى، فإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء، فتحس وكأن رحمة الدنيا متجسدة في محمد صلى الله عليه وسلم، وبيت شعري آخر من أوبريت ديني(أوبريت يعني أن يقوم مجموعة من المنشدين بأداء نشيد كل يردد مقطعا معينا) : “هذا محمد” الذي أُقيم ردا على الاستهزاء بالنبي الكريم من طرف بعض الدول الغربية، في آخره بيت شعري يسلب الألباب، يقول:
أما خديجة من أعطتك بهجتها
وألبستك ثياب العطف والكرم
يا ليتني كنت فردا من صحابته
أو خادما عنده من أصغر الخدم
ولا تخلو جعبتي من أناشيد تمدح النبي صلى الله عليه وسلم تطرب مسامعي وتؤنسني، كبرت وأنا أستمع لها، وترجع بي ذاكرتي للوراء قبل إحدى عشر سنة، حينما أنتجت دولة مهيمنة على العالم سياسيا وثقافيا و علميا، فيلما مسيئا لحضرة النبي العدنان عليه الصلاة والسلام، كنا ننتظر أن يتطرق الخطيب يوم الجمعة لهذا الاعتداء الخطير على جناب النبي، لكنه تحدث عن الحفاظ على البيئة في ذلك الوقت!! في تصرف غريب أنكرته في نفسي بشدة وهممت بالانسحاب من المسجد، لأنني كغيري من المسلمين لا أتقبل البتة أن يُهان سيدي ومولاي عليه الصلاة والسلام، وأظل ساكنا مثل حجارة بكماء،أو صخرة صماء!! فما يحركنا هو حبنا لقائدنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والله أعلم بقلوب عباده، صبرت نفسي وكظمت غيظي على مضض، لأني لا أحب أن تضيع جمعتي إذا خرجت دون إكمالها، لكني كنت حزينا أشد الحزن على أن من يجلس فوق منبر رسول الله لا يدافع عن رسول الله!!!
وتأكدت فيما بعد أننا سندافع عن رسول الله حينما نحيي سنته، فبدأت سنة 2016 بإطلاق برنامج إصلاحي ينطلق من سنة النبي عليه الصلاة والسلام بعنوان ” النموذج المحمدي للعيش على الأرض” واستطعنا بفضل الله بإقرار بعض السنن النبوية كسجدة الشكر، والسواك، والسلام على الصبيان، وغيرها… لكني أطمح لتطوير البرنامج نحو الاندماج الشامل في السيرة النبوية، أتمنى من الله أن يوفقني لذلك،إحياء السنة هو أكبر سلاح نواجه به الحداثة العمياء والأفكار العلمانية التي تهاجم بقوة وتضرب استقرار المجتمعات الإسلامية.
النبي حي في قلوب أتباعه، أما أنتم يا معشر العلمانيين ميتون أخلاقيا وروحيا ولو كنتم تمشون وتمرحون فوق أرض الله، وإنما هي أيام و نمضي فانظروا أين تمضون، ارجعوا لربكم فباب التوبة مفتوح، لكن مغلوق لا محالة في يوم لا نعلم نحن وأنتم، الله الله في أنفسكم،أعلم أنكم ستستهزؤون بكلامي إذا قرأتموه صدفة وتقولون مضحوك علي وأنني ورثت الدين، وأردد ما قيل لي وما علموني، أولا أنا أتشرف أن أدرس عند فقهاء أمتنا وعلماءها وهذا شرف لم أنله مع الأسف، لم أنل شرف ثني ركبتي والقراءة على يد فقهاء أجلاء،وثانيا : مررت بتجربة الوسواس العقدي وكنت قريبا من الإلحاد وتخطفتي العديد من التيارات الفكرية والله أنقذني بالتأمل والقراءة الحرة في كتب تعزيز اليقين، ولست حافظا بل فهمت العديد من المبادئ في ديني ولن أتراجع في الدفاع عنه ما دامت الروح تسري في جسدي.
كتبه : عبد الحكيم اسنوسي
يوم الجمعة 13 ربيع الأول 1445ه
23 شتنبر 2023م