الفينيقيون هم أحد أهم الشعوب السامية 《العربية》، التي سكنت فلسطين و بلاد الشام قديما، كما أنهم استطاعوا إنشاء عدد من الممالك الصغيرة ، منها عكا وصيدا وصور وجبيل، و قد عرفوا باسم الكنعانيون، أما أصل كلمة الفينيقيين هو أصل اغريقي من كلمة فوينيكس، و قد عاش الفينيقيون في الفترة ما بين 1000 إلى 700 قبل الميلاد، و كان لهم قوة محركة في دول العالم القديم، وقد كان لهم دور كبير في تمدين بلاد المغرب العربي قديما .
أصل الفينيقيين
إن ما تواتر عليه أهل العلم والمؤرخون المتقدمون والمعاصرون أن الفينيقيون هم ساميون من العرب، ولعل ما ميز إسمهم هو تجارتهم التي سمو عليها لكن في أصلهم فما هم سوى عرب، يقول المؤرخ اللبناني أمين ريحاني (1876م) ؛ 《 ما أجمع عليه المؤرخون والآثريون أن الفنيقيين مثل العرب ساميون، بل أنهم عرب الأصل نزحوا من الشواطيء العربية الشرقية 》. (راجع المصدر هنا)
وكذالك يقول الدكتور كيفن إنغرام (Kevin Ingram) أستاذ التاريخ بجامعة مدريد ؛ ” كان العرب تجارًا عظماء ووصلوا إلى كل جزء من البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك إسبانيا، حيث كان من المقرر أن يقيم العديد منهم، علاوة على ذلك، كان الفينيقيون موجودين هناك بالفعل، وقد بنوا قادس وانتشروا في جميع أنحاء مملكة غرناطة، وإن العلاقة بين العرب والفينيقيين جد وثيقة كما أوضح بطليموس (القرن الثاني ميلادي)، وهوميروس (القرن التاسع قبل الميلاد) “. (راجع المصدر هنا )
إقرأ أيضا:دراسة جينية عن سكان جهة الرباط سلا زمور زعير تؤكد عروبة المغاربةوإذا ما عدنا لأقوال المؤرخين المتقدمين حول أصل الفينيق ومنطلقهم نتأكد أنهم عرب أقحاح كانت مساكنهم الأولى في جزيرة العرب، يقول هيروديت ؛ ” يزعم الفرس وهم أخبر الناس بالتاريخ أن الفينيقيين كانوا المبادرين في المنازعة. فهؤلاء القوم الذي مهدهم في القديم شواطئ البحر الأحمر 《الخليج العربي أو بحر العرب 》، ثم هاجروا إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط ليستقروا في البلاد التي يسكنونها الآن شرعوا حالما استقرت أحوالهم، على ما يقولون في خوض الرحلات البحرية الطويلة للمتاجرة بما كانت سفنهم تحمله من بضائع وسلع من مصر وبلاد أشور “. (راجع المصدر هنا)
ورأى المؤرخ الاغريقي سترابو أن الفينيقيين نشأؤا في شرق شبه الجزيرة العربية، وأشار إلى المقابر في جزر البحرين تشابه المقابر الفينيقية وأن سكان هذه الجزر يذكرون أن أسماء جزائرهم ومدنهم هي أسماء فينقية وقال أيضاً؛ إن في هذه المدن هياكل تشبه الهياكل الفينيقية. والدليل المؤيد لهذه النظرية الأسماء في الشرق العربي للجزيرة تحمل نفس أسماء المدن التي أنشأها الفينيقيون على الساحل السوري. (راجع كتاب تاريخ لبنان القديم، ص19، أو هنا)
إقرأ أيضا:الصحراء المغربيةوقد أكد أندروستينس بالفعل وجود عدة مستعمرات فينيقية في بلاد البحرين وأرض العرب، عندما قاد الحملة البحرية بأوامر من الإسكندر المقدوني الفاتح. (راجع المصدر هنا)
وقد أكد المؤرخون المعاصرون كذالك الأصل العربي الصريح للفينيقيين، فنجد عالم الآثار الفرنسي جاك جوزيف شامبليون (1778-1867) يقول في مؤلف 《Universal Palaeography》؛ ” وهكذا كان العبرانيون هم عرب فلسطين أو يهودا، وهي ليست سوى جزء من سوريا يقع بين العريش وصيدا؛ وكان الفينيقيون هم عرب صور وصيدا، من جبل لبنان إلى حلب ؛ وكان البابليون هم عرب بلاد ما بين النهرين (البلد الواقع بين النهرين، الفرات ودجلة) أو آشور، الواقعة بين بلاد فارس وأرمينيا، ويُسمون في اللغة العربية الحديثة، العراق العربي أو ديار بكر “. (راجع المصدر هنا)
كما يقول الأستاذ والمؤرخ الألماني Arnold Hermann Ludwig Heeren (1760-1842م) ؛ ” لدى الجغرافيين الاغريق على سبيل المثال، نقرأ عن جزيرتين هما صور أو تايلوس وعراد (البحرين)، التي تفاخرت بأنها البلد الأم للفينيقيين، و عرضت آثارا للمعابد الفينيقية “. (راجع هنا)
إقرأ أيضا:أبو زكريا يحيى بن العواموقد ورد في المؤلف العلمي التاريخي الأمريكي 《The Arabian Mission’s Story》 ؛ ” البحرين أرض السكن القديم، ولعلها الأقدم في الشرق الأوسط، والموطن الأصلي لشعب عرف فيما بعد بالفينيقيين “. (راجع المصدر هنا)
ويقول المؤرخ والسياسي البريطاني David Urquhart (1805-1877م) ؛ ” كان يطلق على الفينيقيين قديما رجال البحر العرب 《sea-faring Arabs》” . (راجع هنا)
وإلى جانب ما سلف نستعين أيضا بما ورد في مجلة معهد فيكتوريا البريطانية 《Journal of the Transactions of the Victoria Institute》التي يشارك فيها كبار العلماء الفلاسفة، المؤرخون، المنشورة سنة 1890م ؛ “الهكسوس، ومعناه الملوك الرعاة؛ لأن Hyk يعني في اللغة المقدسة الملك، وSōs في الديموطيقية يعني الراعي والرعاة. ومنهم من يقول أنهم عرب، وإن مصطلح العرب أو الفينيقيون هم الأسماء الأكثر استخدامًا لهم من قبل المؤلفين القدماء “. وبالتالي فإن الهكسوس هم نفسهم الفينيقيون هم نفسهم العرب إختلفت تسمياتهم فقط. (راجع المصدر هنا)
وبالتالي يمكن القول أنه ومن خلال ما أجمع عليه المؤرخون والعلماء الآثاريون أن الفينيقيون ما هم سوى عرب في أصلهم، وإن إختلفت شهرتهم على إسم تجارتهم لكن هذا لا يغير من أصلهم شيئا، ومعلوم أن سكان جزيرة العرب من اليمن إلى الشام كلهم عرب في أصلهم وإن إختلفت أسماء شهرتهم، وهذا أكده رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح أخرجه أبو داوود والترمذي مضمونه ؛ 《 “وما سَبأٌ، أرضٌ أو امرأةٌ؟ قالَ (ص) : ليسَ بأرضٍ ولا امرأةٍ، ولَكِنَّهُ رجلٌ ولدَ عشرةً منَ العربِ فتيامنَ منهم ستَّةٌ، وتشاءمَ منهم أربعةٌ. فأمَّا الَّذينَ تشاءموا فلَخمٌ، وجُذامُ، وغسَّانُ، وعامِلةُ، وأمَّا الَّذينَ تيامنوا: فالأزدُ، والأشعرون ، وحِميرٌ، وَكِندةُ ومَذحِجٌ، وأنمارٌ،. فقالَ رجلٌ: يا رسولَ اللَّهِ، ما أنمارٌ؟ قالَ: الَّذينَ منهم خثعَمُ، وبَجيلةُ 》(راجع هنا/هنا/هنا/هنا)
الدراسات الجينية وأصل الفينيقيين
في دراسة جينية نشرتها مجلة ناسيونال جيوغرافي سنة 2020 على مجلتها العلمية تحت عنوان 《الحمض النووي من الكنعانيين في الكتاب المقدس لا يزال موجودا في العرب واليهود المعاصرين》؛ وقد ثم في هذه الدراسة تحليل عظام 73 فردًا دُفنوا على مدار 1500 عام في خمسة مواقع كنعانية منتشرة في جميع أنحاء إسرائيل والأردن. كما أخذوا في الاعتبار بيانات من 20 فردًا إضافيًا من أربعة مواقع تم الإبلاغ عنها مسبقًا.
وجاء في هذه الدراسة صراحة ؛ 《وقارن الباحثون أيضًا الحمض النووي القديم مع السكان المعاصرين، ووجدوا أن معظم المجموعات العربية واليهودية في المنطقة تدين بأكثر من نصف حمضها النووي للكنعانيين وغيرهم من الشعوب التي سكنت الشرق الأدنى القديم، وهي منطقة تشمل جزءًا كبيرًا من بلاد الشام الحديثة》.
الفينيقيون في بلاد المغرب
يقول هيروديت أبو التاريخ حوالي 400 ق. م في هذا السياق : “ ساكنة شمال افريقيا تنقسم لأربعة شعوب : ليبيون وفينيقيين وإيثيوبيون وإغريق “. وبالتالي فهو يقسم شعوب شمال إفريقيا المهيمنة في حقبته لأربع. (راجع هنا)
كان للفينيقيون الفضل الأكبر في جلب الحضارة والتمدن لهذه المنطقة بعدما كانت بربرية غير متحضرة في جلها يقول المؤرخ الفرنسي شارل أندري جوليان (Charles-André Julien) في هذا “ وقد كان تأثير المدنية البونيقية بطبيعة الحال في بلاد البربر الشرقية. فقد بهرت الأمراء النوميديين الذين أقام العدد الكبير منهم في قرطاج. وتزوجوا بنات طبقتها النبيلة وسموا أبناءهم بأسماء قرطاجية، ومنحوا مدنهم دساتير منسوخة عن دساتير المستعمرات الساحلية، وعبدوا الآلهة السامية وحرضوا رعاياهم على العمل بأساليب مغون الفلاحية ….. وبديهي أن تأثير قرطاج لم يزل بزوالها “.
ويقول المؤرخ الإيطالي إتوري روسي “ كما ظل تأثير الحضارة القرطاجنية ماثلاً في الأسماء وألقاب الوظائف والمعتقدات الدينية، ويشهد القديس أغسطينو، في القرنين الرابع والخامس، على انتشار اللغة البونيقية في مناطق تونس والجزائر الحالية. ونحن نعرف أيضاً، أنه في القرن الثاني بعد الميلاد، كان الناس في لبدة وطن سبتيموس سيفيروس يتحدثون اللغة البونيقية، وذلك يدل على أن الحضارة البونيقية واللغة البونيقية قد تغلغلتا في المستعمرات القرطاجنية بإفريقيا الشمالية وانتشرت أيضاً في الأرياف المجاورة، حتى ليؤكد بروكوبيوس من القرن السادس بعد الميلاد، أنَّ الأهالي (الماوري) كانوا يتحدثون البونيقية “. (راجع هنا)
وقد جاء في مؤلف علمي وازن، صادر عن جامعة أوكسفورد البريطانية، لعالم الآثار الإسباني {Sebastian Celestino}، بشراكة مع العالمة الآثارية بجامعة شيكاغو الأمريكية {Carolina Lopez-Ruiz}، عن ساكنة شمال إفريقيا في العصر القديم : “ كانت أراضي شمال إفريقيا وضفاف جنوب ايبيريا عبارة عن أراضي مستباحة دون وجود قيادة مركزية لشعب حضاري حقيقي مسيطر بل عبارة عن تجمعات لشعوب بدائية من شتى ضفاف المتوسط حيث عاشت أيضا لفترات متأخرة من العصور الحجرية وبقيت على هذا الحال حتى وصول الفينيقيين وتأسيس أول أربع مدن حضارية في ايبيريا وشمال إفريقيا وهي :
Cadiz قادس
▪︎ lixus ليكسوس أو العرائش حاليا
▪︎Utica عتيقة
▪︎ Gadir أغادير، ثم تلتها العديد من المدن في أوقات لاحقة متأخرة كمالقا وقرطاج وغيرها حيث سجل الفنيقيين بتأسيس هذه المدن العريقة الأربعة أقدم وجود حضاري لشعب حقيقي بمدن ومساكن أهلة ترجع لبداية الألفية الثانية قبل الميلاد. (راجع هنا)
_____________
راجع كذالك مقال 《الأصول الجينية للمغاربة》هنا.