22 ذو الحجة 1445ه /29 يونيو 2024م
ديباجة المقال :
تعتبر مسألة توثيق الأحداث التي نعيشها على أرض الله إحدى علامات اليقظة الفكرية التي يجب أن يتسم بها المرء التواق للتأمل والتفكر في مسار حياته على أرض الله.لهذا نعمل جاهدين دائما على التأمل والتفكر في الأحداث التي نمر بها، وكتابتها ومشاركتها مع القراء الكرام حتى يتسنى للجميع الاستفادة.
احذر في طريق بحثك عن الحياة أن تداهمك الموت على حين غفلة، فتصبح أثرا بعد عين وتُنسى وكأنك لم تكن موجودا على أرض الله، وكأنك لم تقدم ما يجعلك مذكورا بعد الموت،
يا لها من لحظات حينما يتحشرج الصوت، وتنبعث الكلمات من داخلك بمشقة بالغة، وترى سيرتك في الحياة ماثلة أمام بصرك الذي أصبح حديدا بعد كشف الغطاء.
توثيق لحادثة تعرض لها كاتب هذا المقال في أواخر رمضان، وكادت أن تودي بحياته لولا لطف الله العزيز الغفار.
(السيف أصدق إنباء من الكتب * في حده الحد بين الجد واللعب) البيت الشعري الذي كاد أن يقتل قائله!
ذات ليلة رمضانية وبعد أن صلى في المسجد العشاء والتراويح قرر أن يتوجه إلى المقهى، لمالاقاة صديقه كما عادته كل ليلة رمضانية، لكن تلك الليلة وكما عادة صاحبنا الذي يحدث نفسه كثيرا، ويغلب عليه أسلوب الحوار الداخلي حينما يكون ماشيا وحيدا في الطريق، في تلك الليلة (لن أقول التعيسة لأنها ليلة من ليالي أفضل شهور العام الهجري الشهر المعظم)
كان يردد بيتا شعريا قرأه في إحدى صفحات الموقع الأزرق، وكان بمناسبة الحديث عن الإرث الحضاري الإسلامي في الأندلس، البيت يقول: السيف أصدق إنباء من الكتب * في حده الحد بين الجد واللعب، ولا أظن القارئ الحصيف سيجد عنتا في فهم مغزاه، والغريب في الأمر هو شعور غامر بالسعادةوالفرح أثناء ترديده للبيت الشعري وكأني به قد فتح الأندلس من جديد!!(………) لكن المفاجأة هو السقوط المدوي في حفرة بجانب الطريق كانت مغطاة بالسيارات المركونة بالشارع، فتحول الفرح حزنا، وكاد ذاكرة صاحبنا تُفقد، بل كان كاد بصره يُفقد، وطيلة مشوار المستشفى كان يردد دعاء واحدا هو : ” الحمد لله الذي حفظ حبيباتاي” حبيباتاي مشتق من التعبير النبوي الفصيح وهو كناية للعينان فهما جبيبتا المرء في هذه الدنيا، من تنيرا طريقاه، من تساعداه على الحياة، العينان أعظم جهاز تصوير عرفه تاريخ الإنسانية، فالله من خلقه جعل من الصعب محاكاته بكل الأجهزة مهما بلغ تطورها، حفظ الله بصري وأبصاركم ورزقنا نور البصر والبصيرة،ومما لا شك فيه أن لكل حوادث الدنيا عبر، وفيها الدروس ذات الأثر لكل معتبر،حتى لا يكون مرورنا على الأرض بدون أثر وحتى لا تكون خطواتنا فوضوية وعشوائية.
دروس وعبر من مصائب الحياة
تعلمنا مصائب الحياة أن الشدائد تفصح عن معادن الرجال وتبين الغث من السمين، والنافع من الزبد الجفاء، فتجد صديقا عزيزا يهب لنجدتك، وآخرون يرافقونك في رحلة الاستشفاء فيضحون بالغالي والنفيس ليروا البسمة تعلو محياك مرة ثانية بعد أن غطته الكآبة، فيوثقون بصور لجرحك الغائر الذي يعلو عيناك ويكتسح جبهتك، وتشاهد الصور لتتعظ وتعتبر أنك يا صاحبي محاط بعناية المولى سبحانه، وإن تركتك عنايته الإلهية قيد أنملة صرت هباء منثورا وغرقت في بحر لجي،
ما أسعدنا بأصحابنا وما أشقى المرء الذي عُدم الصحابا
هم من يضمدون جراحنا ويرافقونا في الأرض أو فوق السحابا
نجوم متلئلة في حياتك يا صاح فلا يعلو بعد الآن في سحنتك حزن أو كأبا
تعلمنا نوائب الدهر أن المرء لا يجب أن يسير في الحياة بدون تفكر في مآله بعد الموت وأن يكتب وصيته، فالتفكر في حياتنا ومسارها يجعلنا نعيش على بصيرة وإن داهمنا الموت فجأة فسنكون سعداء لأننا متجهزون للقاء الله، أما من كان يخبط خبط عشواء ويعيش بلا توجيه من الوحيين فسيجد نفسه في موقف لا يُحسد عليه حينما يُواجه بخطاياه وزلاته ، كما أن الوصية من الواجب أن يكتبها الإنسان ما دامت الروح تدب في جسده، ولا ينام إلا و وصيته في عهدته، هكذا علمنا النبي صلى الله عليه وسلم، وفي تلك الوثيقة التي تؤرخ لمآل إرثك الفكري الذي تركته لا تكتب فيها إلا ما يسرك يوم لقاء المولى عزوجل، فأوصي بالخير، وسامح من عاداك، ولا تحقد على خلق الله، فلا تكثر العداوات، وأوصي بمشروعك الفكري لمن يقدر العلم، لمن يحب الأفكار،لا تكثر الإطناب في وصيتك فلتكن مختصرة مقتصرة على النقط المهمة في مشروعك على الأرض، فأنت خليفة الله في أرضه لا تموتن إلا ووصيتك بين جنبيك، واترك الدنيا قبل أن تتركك، احمل كفنك بيدك ولا تهابن الموت فهي رفيقك للآخرة،وكن زاهدا رغم إقبال الدنيا عليك، ارض بما قُسم لك، ولا تنظر لنعم الله على غيرك، فكل ميسر لما خُلق له ، ولا تنسى “عش في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل” كما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
إقرأ أيضا:أقدم اللقى الأثرية عن التواجد الإسلامي في الأندلس