تعد ثورة الخوارج في بلاد المغرب من أبرز الأحداث التاريخية التي شهدتها المنطقة خلال العصر الإسلامي المبكر. انبثقت هذه الحركة من رحم التوترات السياسية والدينية التي سادت العالم الإسلامي بعد الفتنة الكبرى. اعتمدت الثورة في انتشارها على مبادئ الخوارج التي دعت إلى المساواة والعدل، مما أكسبها دعماً شعبياً واسعاً بين القبائل البربرية والعربية في بلاد المغرب. تستند هذه الدراسة إلى أقدم الحوليات العربية المتوفرة وهي《حولية تاريخ خليفة》 التي تقدم تفاصيل قديمة حول هذه الثورة وكيف تم القضاء عليها .
من هو خليفة بن خياط
أبو عمرو خليفة بن خياط، هو مؤرخ ومحدث ونسابة عربي شهير، يُعرف أيضًا باسم أبو عمرو خليفة بن خياط العصفري. وُلِد في البصرة سنة 776م وتوفي في عام 854م. نشأ خليفة في البصرة في بيت علم فقد كان جده أبو هبيرة من أهل الحديث، وكان والده من رواة الحديث أيضاً، وحدث عنه ابنه خليفة، وصفه ابن كثير بأنه من أئمة التاريخ . (راجع هنا)
وقال عنه ابن خلكان : ” كان حافظاً عارفاً بالتواريخ وأيام الناس غزير الفضل”. (راجع هنا)
إقرأ أيضا:مشروعية المحاماة في الفقه الإسلاميكما قال عنه شمس الدين الذهبي : ” ابن خليفة بن خياط الإمام الحافظ العلامة الأخباري، أبو عمرو العصفري البصري، ويلقب بشباب ، صاحب ” التاريخ ” ، وكتاب ” الطبقات ” ، وغير ذلك “. (راجع هنا)
أهمية حولية تاريخ خليفة
يُعد 《تاريخ خليفة》الذي يعود للقرن الثامن ميلادي من أقدم كتب التاريخ الإسلامي المتوفرة، حيث وثّق فيه الأحداث التاريخية بشكل سنوي. يُعتبر مرجعًا مهمًا للباحثين في دراسة التاريخ الإسلامي المبكر .
وقائع ثورة الخوارج الصفرية من كتاب تاريخ خليفة
تكلم خليفة بن خياط على ثورة الخوارج الصفرية بالمغرب لكن دون تفصيل دقيق حول بدايتها والعوامل التي ساهمت في ذالك ؛ وإنما أشار فقط لإنقسام الصفرية بعد وفاة ميسرة الحقير فرقة عليها خالد بن حميد وفرقة عليها أبو يوسف الأزدي (وهو عربي الأصل) ؛ كما أشار خليفة إلى المعارك التي خاضعها العرب الأمويون مع الخوارج بداية بمعركة الأشراف وبقدورة وأخيرا معركتي القرن والأصنام التي أنهى فيها الأمويون الثورة في بلاد المغرب وأخضع مجددا لسلطان الخليفة الأموي.
يقول خليفة بن خياط عن معركة الأصنام التي أنهى فيها حنظلة بن صفوان الكلبي عامل الأمويين بأفريقيا ثورة البربر ؛ 《وبلغ خالد بن حميد رأس الصفرية بطنجة أن عبد الواحد قد سلم عليه بالخلافة، فوجه عبد الأعلى زُرزُراً مولى موسى بن نصير – في خيل وأمره أن يحل لواء عبد الواحد وولاه أمر أصحابه، وبلغ عبد الواحد فسار يريد القيروان، فلقيتهم خيل حنظلة، فقتل عبد الواحد وانهزمت البربر وقتل منهم مقتلة عظيمة ونادى منادي حنظلة بالأمان، ومضى عكاشة الفزاري منهزماً، فأخذه قوم فشدوه وثاقاً، وبعثوا به إلى حنظلة وسألوه الأمان، فقتله حنظلة وولت الصفرية، وسكنت البلاد 》.
إقرأ أيضا:يجب اعتماد التقويم الهجري وإليك كيفية تحويل التاريخ الميلادي الى الهجريبعد إنتهاء ثورة البربر وإخضاع بلاد المغرب مجددا للخلافة إستمر حنظلة واليا على بلاد إفريقيا والمغرب خمس سنوات كما صرح خليفة بن خياط قائلا 《 ثم ولى حنظلة بن صفوان الكلبي فقدمها في النصف من جمادى الأولى سنة أربع وعشرين (124هـ) فلم يزل بها إلى سنة تسع وعشرين (129 هـ) 》. وبَقِيَ حكم الأمويين للمغرب حتى سنة 750م أي حتى سقوطهم على يد العباسيين.
طبعا هذه المعلومات التاريخية القديمة مهمة فهي تنفي لنا خرافة إستقلال المغرب عن الخلافة الأموية (١) ؛ وخرافة الإنتماء البربري لجميع زعماء الثورة (٢) ؛ وخرافة تأسيس إمارة برغواطة في هذا الزمان (٣).
١ : فخليفة أكد أن بلاد المغرب إستمرت خاضغة للخلافة الأموية حتى سقوطها، ومدة خمس سنوات تحت قيادة حنظلة بعد معركة الأصنام التي وقعت سنة (124 هـ) أي بعد معركة الأشراف التي وقعت سنة (122 هـ) وبقدورة التي وقعت سنة (123 هـ) .
٢ : أكد خليفة أن ثورة البربر بزعامة الخوارج الصفرية كان فيها من العرب عدة قادة منهم سالم أبو يوسف الأزدي من قبيلة الأزد ؛ وعكاشة الفزاري .
٣ : كما أن خليفة من خلال ما أورده لنا من تاريخ مبكر ومعاصر تقريبا لأحداث الثورة فهو ينفي قطعا وجود أو تأسيس أي إمارة في بلاد المغرب قبل سقوط الخلافة الأموية ؛ بل خليفة أكد أن حنظلة قضى على الثورة وأعاد سلطة الخلافة لبلاد المغرب بقوله 《فقتله حنظلة وولت الصفرية، وسكنت البلاد 》. مع الأخد بالإعتبار أن برغواطة لم يشر لها في كتب التاريخ إلا في القرن التاسع ميلادي وهو دليل أخر ينفي قيام إمارة مستقلة في المغرب زمن الخلافة الأموية أو بعد معركة الأشراف التي كانت مجرد نقطة بداية كانت نهايتها في معركتي القرن والأصنام .
إقرأ أيضا:بخصوص محاولة البعض أدلجة حملة لا للفرنسة وافتعال صراع وهمي بين العرب والامازيغوهو ما أكده كذالك ابن عبد الحكم الذي لم يشر لأي إمارة أو أي إستقلال للمغرب عن الخلافة الأموية بل أكد قضاء حنظلة على الثورة بقوله 《 ونزل عبد الواحد بمكان يقال له الأصنام ونزل الفزاري من القيروان على ستة أميال وكان مع عبد الواحد أبو قرة العقلي وكان على مقدمته فكتب حنظلة إلى الفزاري کتابا يرثيه فيه ويمنيه رجاء أن لا يجتمعا عليه فلا يقوى عليهما وخاف اجتماعهما وكان عكاشة أقرب إلى حنظلة فصبح عبد الواحد الأصنام بجموعه وزحف حنظلة إلى الفزاري لقربه منه وخرج معه بأهل القيروان فخرج قوم آئسون من الحياة للذي كانوا يتخوفونه من سبي الذراري وذهاب النساء والأموال وجعل عليهم محمد بنعمرو بن عقبة فلقيهم بالأصنام فهزم الله عبد الواحد وجمعه وقتل ومن معه قتلا ما يدري ما هو وهرب من هرب منهم فلما فتح لحنظلة عاجل عكاشة الفزاري من ليلته فقاتله بالقرن ولم يكن بلغ عكاشة هزيمة عبد الواحد فهزمه الله ومن معه من أصحابه وهرب عكاشه حتى انتهى إلى بعض نواحي أفريقية فأخذه قوم من البربر أسيرا حتى أتوا به إلى حنظلة فقتله》. (راجع هنا)