تُعتبر الجينات مرآة تعكس التاريخ والثقافة للأمم، ولذا فإن الدراسات الجينية تلعب دورًا حاسمًا في فهم الهوية الشعبية والوطنية. وفي هذا الإطار تأتي دراسة جينية أنثروبولوجية حديثة عن سكان الشاوية ورديغة تادلة بالمغرب تحت عنوان 《Anthropogenetic study of the Arabic – speaking population of Chaouia Ouardigha (Morocco) based on autosomal STRs》، حيث تُظهر نتائجها روابط عميقة تؤكد عروبة المغاربة على المستوى الجيني أيضا وليس فقط اللغوي والثقافي.
تهدف هذه الدراسة إلى توفير بيانات جديدة عن الخلفية الوراثية لسكان الشاوية – ورديغة (تادلة) السكان الناطقين بالعربية في شمال إفريقيا في وسط غرب المغرب وفحص العلاقة الجينية بينهم وبين الشعوب الأخرى ؛ وتم لهذه الغاية تحليل 153 فردًا عشوائيًا سليمًا غير مرتبطين من منطقة الشاوية – ورديغة (تادلة) ؛ جاء في نتائج الدراسة : “توفر دراستنا نظرة ثاقبة حول الروابط الوراثية لسكان الشاوية قريغا، وتسلط الضوء على كيفية مساهمة الأحداث التاريخية والتأثيرات الاجتماعية والثقافية والقرب الجغرافي في تشكيل بنيتهم الجينية. وهو يوضح التأثير الكبير للأحداث التاريخية والتقارب الجغرافي في تعزيز الروابط بين مجتمع الشاوية ورديغة والسكان المجاورين في شمال أفريقيا وجنوب أوروبا والشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، أنتجت الدراسة بيانات قيمة تؤكد فعالية هذه العلامات الجينية الخمسة عشر لتطبيقات الطب الشرعي على نطاق أوسع من السكان “.
إقرأ أيضا:الفروسية العربية (التبوريدة)وبعد دراسة التقارب الجيني لسكان الشاوية ورديغة (تادلة) الناطقون بالعربية، تبين أن هناك ترابط جيني قوي لهم مع الشرق الأوسط مما يؤكد التاريخ العربي المدون لهذه المنطقة التي عرفت إستيطان مهم للقبائل العربية تاريخيا بحيث يصرح العلماء في الدراسة : ” لقد لاحظنا من خلال التحليل الوراثي أن السكان الناطقين باللغة العربية في الشاوية ورديغة يختلفون عن سكان جنوب الصحراء الكبرى وشرق آسيا وأمريكا اللاتينية، لكنهم يرتبطون ارتباطًا وثيقًا بسكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا “.
وقد فسرت الدراسة هذا الإرتباط الجيني الوثيق للسكان الناطقين بالعربية في جهة الشاوية ورديغة (تادلة) مع الشرق الأوسط، بالوفود العربي وإستيطانه المبكر في المنطقة حسب الدلائل التاريخية إذ جاء في الدراسة : “ويمكن أن يعزى ذلك أيضا إلى أن العرب المؤسسين لسكان الشاوية ورديغة كانوا مسلمين هاجروا من الشرق الأوسط إلى منطقة شمال أفريقيا (المغرب) واستقروا في المنطقة في نهاية القرن الثاني عشر مع وصول القبائل العربية “بني هلال” و”بني سليم “.
وعليه فالدراسة بخلاصة أكدت أن الناطقون بالعربية أو الداريجة في جهة الشاوية ورديغة (تادلة) هم عرب جينيا وليس فقط لغويا وثقافيا. وبذالك تكون قد أكدت ما تناولته المصادر التاريخية المبكرة عن إستيطان العرب في هذه المنطقة لعل أهمها كتاب التاريخ لابن خلدون (١) والإستقصا للناصيري (٢) وروض القرطاس لابن ابي زرع (٣) .
إقرأ أيضا:قبيلة عرب الصباح بمنطقة تافيلالت١ : يقول إبن خلدون (1332-1406م) عن أصل الشاوية العرب ؛ ” وأما الصبيحيون فالخبر عن أوليتهم أن جدهم حسان من قبيلة صبيح من أفاريق سويد جاء مع عبد الله بن كندوز الكمي، من بني عبد الواد حين جاء من تونس وأوفد على السلطان ابن عبد الحق ولقيه كما مر وكان حسان من رعاء إبله فلما استقر عبد الله بن كندوز بناحية مراكش وأقطعه السلطان يعقوب في أعمالها وكان الظهر الذي يحمل عليه السلطان متفرقا في سارية المغرب فجمعه وجعله لنظر عبد الله بن كندوز فجمع له الرعاء وكبيرهم يومئذ حسان الصبيحي فكان يباشر السلطان في شان ذلك الظهر ويطالعه في مهماته فحصلت له مداخلة أجلبت إليه الحظ حتى ارتفع وكبر ونشأ في ظل الدولة وغيرها وتصرفوا في الولايات فيها وانفردوا بالشاوية فلم تزل ولايتها متوارثة فيهم منقسمة بينهم لهذا العهد “. (راجع هنا)
كما تكلم ابن خلدون عن استلاء عرب المعقل على تادلة ومزاحمتهم عرب بني جابر أواخر عهد الدولة المرينية قائلا : “ هذا القبيل لهذا العهد من أوفر قبائل العرب ومواطنهم بقفار المغرب الأقصى مجاورون لبني عامر من زغبة في مواطنهم بقبلة تلمسان، وينتهون إلى البحر المحيط من جانب الغرب، وهم ثلاثة بطون: ذوي عبيد الله وذوي منصور وذوي حسان…،ومواطن ذوي منصور من تاوريرت إلى بلاد درعة فيستولون على ملوية كلها إلى سجلماسة وعلى درعة وعلى ما يحاذيها من التل مثل تازة وغساسة ومكناسة وفاس وبلاد تادلا والمقدر”. (راجع هنا)
إقرأ أيضا:تجويد القرآن الكريم بغير اللغة العربية !!!٢ : يقول الناصيري صاحب الإستقصا : “وَنقل الْمَنْصُور رَحمَه الله بني هِلَال وَبني جشم إِلَى الْمغرب الْأَقْصَى حِين أَتَوْهُ طائعين وَكَانَ ذَلِك سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة فَأنْزل قَبيلَة ريَاح من بني هِلَال بِبِلَاد الهبط فِيمَا بَين قصر كتامة الْمَعْرُوف بِالْقصرِ الْكَبِير إِلَى أزغار الْبَسِيط الأفيح هُنَاكَ إِلَى سَاحل الْبَحْر الْأَخْضَر فاستقروا بهَا وطاب لَهُم الْمقَام، واعلم أن هذين البسيطين يسميان اليوم في عرف عامة أهل المغرب بالغرب والحوز، فالغرب عبارة عن بلاد الهبط وأزغار وما في حكمها، والحوز عبارة عن بلاد تامسنا وما اتصل بها إلى مراكش. فكان لرياح بلاد المغرب”. (راجع هنا)
٣ : يقول ابن أبي زرع في معرض حديثة عن منطقة تامسنا أو الشاوية حاليا : 《 فإرتحل أمير المسلمين أبو ثابت إلى مراكش وذلك يوم السبت ميل شهر رمضان..، ثم ارتحل إلى بلاد تامسنا فتلقته بها وفود العرب من الخلط والعاصم وبنى جابر وغيرهم من عرب جشم برسم السلام عليه والوداع 》. (راجع المصدر هنا)
وأشار ابن خلدون كذالك إلى كثرة الوفود العربي في زمن الدولة المرينية إلى بلاد دكالة وأزغار وتادلا مصرحا ؛ “وبقيت البسائط من المغرب مثل ازغار وتامسنا وتادلا ودكالة اعتمرها الظواعن من العرب الطارئين عليها من جشم ورياح فعض المغرب ساكنة من امم لا يُحصيهم الا خالقهم”. (راجع هنا / كتاب ابن خلدون هنا)
_______
🔴 يمكن تحميل الدراسة الجينية هنا ؛