قصة صديقنا الشاب المسمى (ي) الذي حاول الهجرة نحو الديار الأوروبية عبر الهجرة غير النظامية، وباءت محاولته بالفشل، قصة تتكرر كثيرا في بلدان العالم الثالث، شباب في مقتبل العمر يرحلون جموعا وأفرادا نحو النصف الشمالي من الأرض، كما ترحل الطيور للبحث عن الماء والكلأ، يرحل هؤلاء الفتية والفتيات للبحث عن عمل يضمن لهم/لهن أساسيات الحياة،لن ننتقذ جهود الحكومات! ولن نتحدث في سياسة دولة معينة أو سياسات! لكن سنكتب خواطرا حول الهجرة، ليست ككتابات أدب الهجرة كما كتبها الأديب الكبير الطيب صالح، وليست أبدا ككتابات الكبار، إنما هي تعبير عن معاناة الشباب الذين قرروا أن يحلقوا كالطيور نحو ما يُسمى الفردوس الأوروبي!!
هناك من وصل فعلا وبدأ تأسيس حياة جديدة وتأقلم مع أسلوب حياة مجتمع الهجرة، وهناك من لازال يمني نفسه بالوصول للجنة الوعودة في مخيلته الصغيرة؛ أتذكر ذات يوم في بداياتي في مجال التدريس،كنت أسأل التلاميذ على هامش حصة دراسية، سؤالا متعلقا بطموحاتهم المستقبلية فأجابني أحدهم وكان لازال صغيرا في السن، لم يتجاوز بعد عقده الأول، أجاب: أريد الهجرة إلى أوروبا.
هكذا يفكر هؤلاء الفتيان الذين لم يبلغوا الحلم، يفكرون في هجرة أَطاونهم في سن صغير جدا، وإن كبروا واشتد عودهم، خططوا وصمموا على الهجرة، فكانت مافيات الاتجار بالبشر تتلقفهم، وترمي بهم نحو المجهول.
الجامعة : تراجيديا وطريق مسدود
” أنت تعرفني، أنا أفضل العيش في دولة مسلمة على العيش في دول المادية والعلمنة، لقد اجتهدت ولم ألو في تحصيل شهادة جامعية في مجال الجغرافيا، وتمكنت بفضل الله من الحصول عليها بمرتبة الشرف، ولكن دائما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد باءت كل محاولاتي للبحث عن عمل بالفشل، وأنت تعرف حالتي الاجتماعية،كنت ولازلت محتاجا للعمل، لم يكن العمل في مجال الصناعة التقليدية يغطي احتاجاتي خاصة في المجال الحضري، حيث يصعب مجاراة النمط المادي السائد، حاولت في بداية الأمر البحث عن عقد عمل للسفر بطريقة نظامية نحو الخارج، لكن المقابل المادي كان مرتفعا جدا، لست قادرا على تسديد المبلغ…. “
الحلم الأوربي : معاناة في الطريق وصعوبة الوصول.
بعد عيد الأضحى الذي مر علي قاسيا، عدت إلى الدار البيضاء بعد أيام قليلة من قضاء إجازة العيد، وسمعت صدفة أحد زملائي في العمل يتحدث عن رحلة عبر تركيا للوصول إلى أروبا، عرضت الفكرة على بعض أقاربي فقرروا مساعدتي ببعض المال، وتجهزت للرحلة ووصلنا لتركيا ذلك البلد الذي يتوزع بين قارتين: أوربا وأسيا، ذهبنا عند الشخص الذي كان في انتظارنا، وبعد يومين من المكوث في منزله خرجنا في الليلة الثالثة عند منتصف الليل إلى الطريق لتبدأ رحلتنا نحو أوربا اللعينة التي سرقت كل ثرواتنا الطبيعية والبشرية، في البداية ركبنا في السيارة أنا وأربعة أشخاص آخرين، والسيارة الأخرى ركب فيها ستة أشخاص ليصل عددنا لعشرة مهاجرين وقائد الرحلة”guide” نزلنا في البداية عند الطريق الوطنية في تركيا طبعا لا أعلم عنها شيئا سوى أنها طريق وطنية لندخل في مجال تغطيه الأعشاب الطويلة، وننتظر السيارة الأخرى التي ستقلنا إلى الحدود، جاءت وركبنا فيها كالبهائم، سيارة صغيرة جدا ونحن أحد عشر شخصا، المشكلة أنها وضعتنا بعيدا عن الحدود بمسيرة ثلاث ليالي من المشي على الأقدام ذقنا فيها الويل من أشواك أشجار الغابة وحفر الطريق… لنصل في صباح اليوم الرابع إلى الحدود بشق الأنفس، بعد محادثة قائد الرحلة مع الشخص المسؤول عن النقط التى نمر منها، طلب منا دخول حدود بلغاريا في السادسة صباحا، وعليك أن تتوقع التعب الذي كنا نشعر به بعد هذه المسيرة، طبعا لم نعارض وقمنا بالدخول من الثقب الذي أحدثه قائد الرحلة في السياج الحدودي، بعدها دخلنا الواحد بعد الأخر وأنا كنت في الوسط، بدأنا بالركض في اتجاه الغابة لأسمع بعد ذلك صوت طلقات الرصاص على أصدقائي الذي كانوا في المقدمة توقفت لوهلة ثم ركضت في الجهة اليسرى من صوت طلقات الرصاص، أنا وشخصين وقبل هروبي رأيت قائد الرحلة ساقط على ركبتيه في وضعية الاستسلام، وطلب مني أن أقوم بنفس الحركة، ولكن الظروف التي عشتها دفعتني للهروب من الجنود بأقصى قوتي لأقوم بالاختباء أنا وشخصين تحت فيء مجموعة من الأشجار حتى تهدأ الأمور، في ذالك اليوم انقطعت شبكة الاتصال قمنا بالمشي دون أن نعرف إلى أين مشينا طويلا بعدها عادت الشبكة مرة أخرى لأقوم بالاتصال بالشخص المسؤول عن الرحلة وأخبرته بما حدث، ليطلب مني المكوث حتى الليل للانطلاق إلى النقطة التالية.
في الظهيرة بدأت الأمطار تتساقط علينا وشعرنا ببرد شديد لكن استظلنا تحت شجرة كبيرة حتى توقف المطر، والغابة كانت مليئة بالحيوانات كالخنزير البري، الأرانب، العصافير بكل أنواعها… عند حلول الظلام طلب منا المسؤول انتظار شخصين كانو خلفنا لكنهم لم يستطيعا الوصول لأنهما لم يتمكنا من فهم تطبيق (مابس مي) “maps me” فطلب مني التوجه إليهما وأن أتولى قيادة هذه الرحلة فأكملت بهم الطريق حتى وصلنا إلى مكان المبيت عند الساعة الرابعة صباحا، لننام وجلودنا تقشعر من البرد بسبب المياه التي كانت ملتصقة بأوراق الأشجار نتيجة تساقط الأمطار ، في الصباح أشرقت الشمس والحمد لله فقمنا بنشر ملابسنا حتى تجف..لنكمل الطريق نحو حلمنا، كان علينا أن نقطع طريق مفتوح داخل الغابة يعني لا يوجد فيه أشجار للاختباء، وفي تلك الطريق كان رجال الشرطة في انتظارنا و ألقي القبض علينا، وأرجعونا إلى حدود تركيا وتركونا بلا ماء ولا أحذية ولا هواتف!! في العراء، استنجدنا بعض المارة ليعطونا هواتفهم لإجراء مكالمة مع المسؤول عن الرحلة لكن لا أحد استجاب، في النهاية سلمنا أنفسنا للشرطة التركية، التي عاملتنا أسوء معاملة، كانوا يكلفوننا بتنظيف الأرصفة ونقل بعض الأمتعة، عموما استنتجت من هذه الرحلة أن الشعب التركي شعب عنصري وغير مضياف بالمرة! وما يُروى عنهم في مسلسلاتهم وإعلامهم ليس صحيحا بالمرة.
توصيات حتى لا تحلق كل الطيور نحو الشمال وحتى لا ينعدم التحليق في سماءنا للأبد
إننا نعيش في عالم تسيطر عليه التقنية، فكان لزاما على الشباب تعلم مهارات تقنية تحفظهم من البطالة، بدل إهدار سنوات من عمرهم في الجامعات النظرية! أكيد أن الجامعات لها دور كبير في التنظير العلمي في تخصصات شتى، ولكن ذلك ليس متاحا لكل الطلبة، فالبعض لا يتقن التنظير، ويميل للعمل اليدوي أكثر، وكان الأجدر به أن يتعلم حرفة يستطيع بها أن ينقذ نفسه من براثن العطالة،ولهذا السبب نتمنى أن تتحول الجامعة لمؤسسة ذات استقطاب محدود لا يدخلها إلا من هو متمكن من تقنيات التنظير وله من المؤهلات ما يمكنه من التنظير في مجال تخصصه،وحتى لا يتراكم الخريحون في مجتمعنا الذين لا يجدون فرصة عمل، فيختصروا الطريق من البداية ولتمكنوا من مهارة معينة تجلب لهم رزقا يعيشون به.