لقد أضاء العلم الجيني الحديث بفيض من الحقائق التي تؤكد ما تواتر في صفحات التاريخ عن الهوية العربية للمغاربة كرافد ومكون أساسي إلى جانب الأمازيغية. فمن خلال دراسة التركيب الجيني لسكان شمال إفريقيا، أظهرت الأبحاث العلمية أن التداخل الثقافي والديمغرافي الناتج عن الفتح الإسلامي كان له أثر بالغ في تشكيل البنية الجينية للمنطقة. وتشير الدراسات إلى أن الهجرات القادمة من المشرق العربي لم تحمل معها اللغة والثقافة فحسب، بل امتزجت أيضًا على مستوى الحمض النووي مع سكانها الأصليين. وهكذا، تتعانق الحقائق الجينية مع الروايات التاريخية لتؤكد أن الهوية العربية للمغاربة ليست مجرد إرث ثقافي، بل هي نقوش جينية موغلة في أعماق الأنسجة الوراثية.
أولا ؛ دراسة الدكتورة أرونا الجينية وتأكيد الأصول العربية للمغاربة
جاء في نتائج دراسة أرونا (Arauna) أستاذة علم الجينوم القديم بجامعة توبنغن الألمانية المنشورة سنة 2017 والتي أشرف عليها المجلس الأعلى للتحقيقات العلمية الإسباني ؛ مجموعة من الحقائق أهمها أن السكان في شمال أفريقيا غير متجانسين للغاية ويتكونون من مكونات وراثية من شمال أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب الصحراء الكبرى وأوروبا (١) ؛ وأن التوسع العربي كان له أثر ثقافي ووراثي (جيني) مهم في شمال أفريقيا (٢)؛ وأن البربر يعتبر شعبًا متنوعًا وغير متجانس وراثيًا (٤).
إقرأ أيضا:أعلام الدول التي تعاقبت على حكم المغرب منذ الفتح الإسلامي للمغرب الأقصىثانيا ؛ دراسة الدكتورة سارة الكامل وبيان أهمية التأثير الجيني العربي في تشكيل هوية المغاربة
تُعد الهجرة العربية لبلاد المغرب واحدة من أبرز الأحداث التاريخية التي شكلت ملامح المنطقة ديموغرافيا وثقافيا وجينيا. بدأت هذه الهجرة في القرن السابع الميلادي مع الفتوحات الإسلامية، حيث انتشرت القبائل العربية من شبه الجزيرة العربية نحو مصر والمغرب وتونس والجزائر وليبيا وفيما بعد موريتانيا.
وقد وصف الاخباريون هول وكثافة هذه الهجرة وكيف غيرت ديموغرافية شمال إفريقيا ؛ فنجد العلامة ابن خلدون يصرح واصفا زمانه اواخر القرن 8 هـ ” وأما لهذا العهد وهو آخر المائة الثامنة فقد انقلبت أحوال المغرب الذي نحن شاهدوه وتبدلت بالجملة واعتاض من أجيال البربر أهله على القدم بما طرأ فيه من لدن المائة الخامسة من أجيال العرب بما كسروهم وغلبوهم وانتزعوا منهم عامة الأوطان وشاركوهم فيما بقي من البلدان”.
إذ كان عدد العرب الذين دخلوا بلاد المغرب مهولا وانتشروا في البسائط والسهول والصحاري وزاحموا البربر حتى في الجبال كما صرح ابن خلدون ؛ وقد قدر عددهم الحسن الوزان في وصف إفريقيا ب نصف سكان جزيرة العرب ؛ بينما أشار ابن عذاري المراكشي أن عددهم يتعدى 130 ألفا بين فارس وراجل دون الحرم وصرح حسن حسني التجيبي أن عددهم كان يناهز 400 ألف فارس دون الرجالة والحرم ؛ أما المؤرخ والمستشرق الفرنسي وليام مارسيه فقال أن عدد القبائل الهلالية التي هاجرت لبلاد المغرب يقدر بمليون شخص منهم المحاربون والنساء والأطفال والشيوخ ؛ وقدر عددهم مارمول كربخال بأكثر من مليون نسمة، وحدا نحوه العلامة الكانوني العبدي.
إقرأ أيضا:الاصل المشرقي لرفات مدينتي الصخيرات وتطوان بالمغربوعلى مستوى علم الجينات فقد أحدثت هذه الهجرة ما يسمى بعملية الشرقنة الجينية (Orientalisation) ؛ التي همت كل الساكنة الشمال إفريقية عند اختلاطها بالعرب مخلفتا بذالك عدم تجانس وراثي حاد في المنطقة وفي نفس الوقت رابطا جينيا قويا مع الشرق الأوسط.
بحيث تشير التحليلات الجينومية الحديثة كما أكدت دراسة الدكتورة سارة الكامل الباحثة بمختبر علم الوراثة والمناعة والأمراض البشرية في جامعة تونس المنار ؛ إلى أن المجموعة الجينية الحالية في شمال أفريقيا تأثرت بشكل أساسي بتدفق السكان القادمين من الشرق الذين غيروا البنية الجينية للسكان البربر الأصليين ؛ ولم يسلم من هذا التأثير حتى الأمازيغ في المناطق الجبلية.
إقرأ أيضا:أين ذهب الرمادي!
المراجع ؛
Genetic Heterogeneity between Berbers and Arabs ; Lara R Arauna, David ComasFirst published: 15 September 2017.
The Orientalisation of North Africa: New hints from the study of autosomal STRs in an Arab population ; Sarra Elkamel, Lotfi Cherni, Luis Alvarez, Sofia L. Marques, Maria J. Prata,Sami Boussetta, show all Pages 180-190 | Received 28 Nov 2015, Accepted 31 May 2016, Published online: 17 Jul 2016.
Genetic origins of Moroccans Based on peer-reviewed scientific studies ; إ.ت.س نـﯧْـڛٱۑْ.