تعد الفروسية العربية أو التبوريدة، المشتقة من كلمة “البارود” بالعربية، من الفنون العريقة في عالم الفروسية، وتعود أصولها إلى القرن 16م، وهي من الموروثات التي أخدها عرب المغرب عن عرب الأندلس اللذين عرفوا بالفروسية والمبارزة الإستعراضية بالخيول، حيث كانت المبارزة بالفروسية تقام في الساحات العامة في غرناطة، ولا سيما في باب الرملة.
وكانت الفروسية والمبارزة والشجاعة من أهم ما افتخر به عرب الأندلس في أشعارهم، يصرح صنيع ابن الدودين في كتاب الدخيرة في محاسن أهل الجزيرة (القرن 12م) :
” « تلك صفات قومنا العرب ذوي الأنساب والأحساب، والعلوم والحلوم، أولي اللسن والبيان واللحن، والإسهاب في الصواب، والحكمة وفضل الخطاب، فرسان العراب وأرباب القباب، ومعلمي الصوارم والحراب، انديتهم عراض المنية، وارديتهم بيض المشرفية، ولبوسهم مضاعفة الماذية سهكين من صدإ الحديد كأنهم تحت السنور جنة البقار، مجالسهم السروج، وريحانهم الوشيج » “. (راجع هنا)
ويقول ابن بسام الشنتريني (1084-1147م)، نقلا عن ابن من الله القروي الاندلسي : ” « أما الخيلُ، فسامح العرب بركوبها ووثوبها، وخل بينهم وبين عيوبها، فلا حَقَّ لك ولا لأصحابك فيها، وعليكم بالبراذين المحذفة، والكوادن الموكفة، الخيل حرتُ العرب وحصادها، وعدتها وأرصادها، ليست أمة من سائر الأمم الأعْجَمِية تنازعُها ذلك، ولا تدافعها عنه، تُسَمِّيها بأسمائها، وتنسبها إلى آبائها، وتعرفُها بأصواتها، وتُؤثرها بأقواتِها، وإنكَ لتَعْلَمُ أَنَّ خيلهم أشهَرُ من ملوككم أسماء وألقابًا …» “. (راجع هنا)
إقرأ أيضا:تعرف على المنصة العربية: نعم للعربية ولا للفرْنسَةويحكي جون لورنس (John Lawrence)، عن إرتباط العرب بالفروسية قائلا : ” إن الشعب العربي، أمة الفرسان، المرتبطون بشدة بخيولهم”. (راجع هنا)
فبعد سقوط الأندلس، ونزوح عربه وعجمه إلى بلاد المغرب العربي، إشتهرت هذه الفروسية الإستعراضية لدى عرب المغرب وأصبحت تقام في الأعياد والمواسم، للاستمتاع والتذكير بما غبر من التاريخ مع سقوط الاندلس، وتشكل التبوريدة اليوم جزءا لا يتجزأ من التراث المغربي العربي الأصيل.
يقول كارل بيديكير (Karl Baedeker) :” الفروسية العربية أو لعب البارود رياضة غالبا ما تقام في المهرجانات (الأعياد) المحمدية “. (راجع هنا)
الأصول
كما اسلفنا سابقا فإن الفروسية الاستعراضية أو “التبوريدة”، هي تراث عربي أندلسي مغاربي، نقله عرب الاندلس لعرب المغرب، وكان من بين الموروثات التي أخدها المغاربة عن الأندلس. وقد كانت هذه الرياضة مقصورة على القبائل العربية المورية (الأندلسية)، النازحة من الأندلس، ثم القبائل العربية المغربية، ولازال الأمر هكذا بحيث تنتشر هذه الرياضة لدى العرب إلى اليوم.
ومعلوم أن عرب الأندلس بعد نزوحهم بأعداد مهولة إلى المغرب أصبحوا عنصرا أساسيا من المكون الديموغرافي المغاربي (المغرب أولا)، ففي المغرب على سبيل المثال يقول ويليام فرانسيس أينسوورث (William Francis Ainsworth)، وهو من أهل القرن التاسع عشر، في مؤلفه التاريخي الكبير الذي تضمن معلومات جغرافية وتاريخية وجيولوجية حول كل مناطق العالم، وهو تحت عنوان “All Round the World, an Illustrated Record of Travels, Voyages, and Adventures“، نشر سنة 1860م، يقول فيه المؤلف عن المغرب وعناصره الديموغرافية من خلال ماعرف ومعتمدا على أقوال من سلفه من الرحالة والجغرافيين والدبلوماسيين:
إقرأ أيضا:قبيلة الخلط او الخلوط من عرب بني المنتفق بمنطقة الغرب“- يمكن تقسيم سكان المغرب إلى خمس طبقات – العرب والمور والبربر واليهود والزنوج. ويقدر عدد السكان بحوالي 8 مليون نسمة، 4 مليون هم عرب ومور، و 2 مليون هم بربر و 500 ألف هي من اليهود والباقي من الزنوج . (للتوسع حول المور هنا)
ويضيف حول المور وهويتهم قائلا :
المور، هم أحفاد أولئك الذين طردوا من إسبانيا عندما ثم غزو غرناطة من قبل فرديناند وإيزابيلا…، والمور مثل العرب، ينتمون إلى المشرق العربي في الأصل -“. (راجع هنا)
تاريخ
غالبا ما لفتت هذه الرياضة الاجانب منذ القدم لخطورتها وجمالها في نفس الوقت فنجد مثلا في مجلة (Sturday Review)، البريطانية المنشورة سنة 1895م، حول التبوريدة العربية :
إقرأ أيضا:حرب شربوبة أو حرب الثلاثين سنة بالصحراء المغربية” إن لعب “البارود” على حصان، بين حشد من الفرسان، على أرض وعرة، والوقوف في السرج ولف بندقية ثقيلة مثبتة بالفضة حول رأس المرء، يحتاج إلى تدريب، ولهذا لن تستطيع القيام بذالك مالم تكن من المكسيكيين والأستراليين والكوساكس والإنجليز والعرب والمجريين والغاوشوس، فإن كنت من أحد هذه الشعوب فإنك من القلة التي قد تتقن هذه اللعبة “. (راجع هنا)
وإذا تطلعت في كتب المستشرقين اللذين أقاموا بالمغرب، ستجدهم يخصصون قسما أو فقرة تحت عنوان «Arab Horsemanship»، أي الفروسية العربية، يقول بورتون هوملس (Burton Holmes) :
" الفنتازيا هو معرض للفروسية العربية، وتضم فرقة من الفرسان الممجدين، يقومون بمناورات مذهلة، وتعد التسلية المفضلة للفارس العربي، والتمرين الذي يسعده كثيرًا ويفخر به". (راجع هنا)
وجاء في كتاب المغرب الأقصى للمستكشف البريطاني روبرت بونتين كنينجهام غراهام (R.B. Cunninghame Graham)، عن الفانتازيا العربية : ” تُعرف المسرحية (لعب البارود) في الجزائر باسم الفنتازيا. وكذالك في المغرب على حد سواء، إنها محاكاة لمعركة قبلية عربية. يندفع الفرسان إلى الأمام ويطلقون بنادقهم في الحفلات أو منفردين، يقفون على السرج، ويطلقون النار تحت أعناق خيولهم، وعلى ذيولهم، أو في الهواء… “. (راجع هنا)
ونحن نتكلم عن المستشرقين، لايمكن لنا أن نغفل جيمس ج جاكسون (JAMES GREY JACKSON)، وهو رجل أعمال بريطاني ودبلوماسي، من أهل القرن الثامن عشر ميلادي، أقام في المغرب مدة ستة عشر سنة (16) ، جاب فيها كل منطقة من بلاد المغرب ونزل ضيفا على قياد البلاد وعلى السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله رحمه الله.
يقول جيمس حول الفروسية الإستعراضية العربية :
” إن أسلوب السرج والركاب واللجام هو ما يدين به العرب بشكل كبير لخفة حركتهم في الفروسية وإدارتهم الحاذقة للخيول ” . (1)
ويذكر المؤلف أعلاه مضيفا حول التبوريدة : ” « إنها تشكل تدريب لسلاح الفرسان لاتقان ما يسمى بالحركة (اتقان الطلقة والتحكم في الفرس أثناء الركض)، حيث يجري الفرسان بأقصى سرعة، حوالي ربع ميل أو أقل، وعندما يصلون لنهاية الخط، يطلق الفرسان مسكتهم، ويوقفون حصانهم، وهم يحولون هذا التدريب في نفس الوقت إلى إستعراض وهم مغرمون به.
وتستمر هذه التسلية عدة ساعات متكررة، ويهذر فيها الكثير من المسحوق (البارود) لهدف ضئيل، لأنهم لايصوبون على هذف معين ولايحددون علامة معينة لاطلاق النار عليها.
ولا تحتوي بنادقهم على شيء سوى مسحوق البنادق (البارود)، لأنه إذا كان لديهم حشو (رصاص)، فستحدث الطلقات العديد من الحوادث نتيجة تفريغهم بالقرب من وجه الآخر، بحيث ينطلق عشرة أو عشرين فارسا فجأة بأقصى سرعة، نصفهم إلى اليمين ، والنصف الآخر إلى اليسار، بعد إطلاق النار، حتى لا يتعارضوا مع بعضهم البعض. » ” . (راجع هنا)
وما يستخلص من كلام جيمس جراي جاكسون وغيره، هو عمق وأصالة هذا الإرث الثقافي لدى المغاربة، وعدم تغيره منذ القرن الثامن عشر لليوم.
_______
(1)- حضر جيمس ج جاكسون أيظا لعرض قام به أحد فرسان عرب الشاوية فعجب بشجاعتهم وادارتهم للخيل، فيقول :
"لقد رأيت أحد العرب الشجعان في محافظة الشاوية المحاربة والقوية، أثناء ركوبه وتقويس الحصان ، يميز اسمه بالأحرف العربية، مع الحافز، على جانب الحصان : وهذا يفسر كمال الفروسية بين الشاويين " .
(2)- يقول يوجين سيكريتان (Eugène Secrétan)، الذي زار المغرب سنة 1889م، حول الفنتازيا العربية التي نالت إعجابه :
" يتجمعون أمام صف من المنازل ذات الهندسة المعمارية العربية، يساعدون في فانتازيا المجنونة، التي أعدمها الجنود المحليون، الذين يحملون السلاح في أيديهم؛ تمر بجميع أنواع عروض الجمباز ويطلقون النار في الهواء ." (راجع هنا)
وقد خلد يوجين عدة لوحات للفنتازيا العربية بكل أنواعها، ومنها التي تصف الكلام في الفقرة السالفة.
معلومات قيمة احسنتم 👌