التشتت الرقمي : عدو المعرفة العميقة
12 رمضان 1444ه
03/04/2023
يقول النبي صلى الله عليه وسلم :”نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ”.
فلنستغل الوقت والسلامة الجسدية لنرفع إنتاجيتنا الروحية والعلمية ونتجنب الغبن الذي وقع فيه كثير من الخلق.
لعل أبرز سمة تميز العصر الحالي هو الطوفان المعرفي الجارف الذي يسحب كل من يحاول التوغل فيه أو حتى الاقتراب منه، فليس الإشكال في وجود المعلومات أو ندرتها كما كان في سابق الأزمان حينما كان يرحل الإنسان من مكان إلى مكان ليطلب العلم، فتمضي عليه السنون حتى يشتد عوده ويصير صلبا لا تهزه انتقادات الخلان(جمع كلمة خليل وهو الصاحب الذي لا يفارق صاحبه، فهو بمنزلة ظله)، لكن الآن المعلومات والبرامج والمدارس أون لاين وفي كل فج ومكان حتى في الأقاصي و أعالي الجبال، تجد من يضيع وقته الثمين في التصفح العشوائي للصور من كل حدب وصوب في جهازه النقال، ألا يرى المتأمل العدد الكبير للبرامج التي تداهم الصائم في رمضان فمن يدفعه للرذيلة ومن يحضه على الفضيلة، تكثر البرامج ويضيع في وسطها تركيز المسلم التواق لبناء شخصية متوازنة معتدلة، فلا يُعقل أن يشاهد المرء كل هذه البرامج حتى وإن كانت برامج مفيدة، فهي مشتتة ويجب التعامل معها بحزم والتركيز، فلنركز على ما يهمنا وما يدخل في نطاق رؤيتنا في الحياة، لهذا يجب أن نتعلم أن نقول لا، لا لكل
المشتتات مضرة كانت أم مفيدة، سلبية كانت أم إيجابية، فماذا سنحصل عليه من متابعة فلان وعلان من يشارك حياته و نشاطه في كل الأحيان، فكثير ما يحرجني بعض الأشخاص ممن أعرفهم بطلب متابعة لقنواتهم على اليوتيوب فأضع متابعة مؤقتة وألغيها بعد فترة وجيزة، لأن ما يقدم ذلك الشخص فعلا لا يدخل في نطاق اهتماماتي وإن كنت أقدر وأحترم عمله، لكن لست ممن يهتمون بما يقدم، فكل مُيسر لما خُلق له، أو لأنك من معارفي فلا بأس أن أضيع وقتي في مشاهدة قناتك التي لن تعود علي بفائدة تُذكر في الدارين! إنه الحمق بعينه، الكل يبحث عن رفع نسبة المشاهدات، بل هناك من يغير مواقفه كالحرباء ليحافظ على المداخيل والمتابعين الأوفياء! وإن كنت أشك في هذا النوع من الوفاء، فابحث رحمك الله عن ما يستهويهم ما تقدمه فذلك أفضل ترويج لمحتواك الرقمي.
ومن جهة أخرى لنواجه التشتت الرقمي ،ونحصل على معرفة عميقة، علينا أن نحدد هدفنا في هذه الحياة ونسعى لتحقيقه حتى لا نضيع في دوامة الأنترنيت، فلنتبع الآتي:
+تحديد رؤية شخصية في الحياة متوافقة مع الإسلام.
+التركيز وتعويد النفس على الصبر والجلد.
+الاستمرارية وعدم بتر مشاريع أعمارنا بسبب المقارنة بالآخرين أو أسباب أخرى.
+الاستمرار في البناء المعرفي انطلاقا من الكتب المتخصصة والدورات العلمية والخروج بنفع للناس مع إخلاص النية لرب الناس سبحانه.
ولاتنسى يا أخي أن التشتت لن يتركك تنتج شيئا، فخذها نصيحة من مجرب، تعود أن تقول “لا” لكن لمن يريد إحراق سنوات عمرك، لمن يريد جعلك وسيلة لزيادة ثروته المادية، قل لا لمن يعتبرك رقما من الأرقام بينما أنت جرم من الأجرام فلتعمل على أن تكون لامعا مشرقا في عالم الإسلام.