بن النفيس607-687هـ
هو أبو الحسن علاء الدِّين علي بن أبي الحزم ابن النفيس، عالم مسلم عربي يُعرف بالقَرشي أيضاً نسبةً إلى قرية “قَرْش” قرب دمشق ومنها أصله، ولد بدمشق وتوفي بالقاهرة.
ارتبط اسم هذا العالم الكبير بالدورة الدموية الصغرى؛ هذا الاكتشاف الذي يعتبر بمثابة ثورة علمية خطيرة في تاريخ الطب، والذي نسب إلى ثلاثة من علماء أوربا في القرن السادس عشر كانوا قد وصفوا الدورة الدموية بنفس الألفاظ التي استخدمها ابن النفيس قبلهم بأكثر من ثلاثة قرون، وهم سرفتوس الإسباني وكولومبو الإيطالي وهارفي الإنجليزي .
وقد سجل ابن النفيس اكتشافه هذا في كتابه الكبير”شرح تشريح القانون” ووصف دورة الدم في الشرايين والأوردة القلبية والأوعية التي بين القلب والرئتين بشكل مفصل ودقيق وبطرح جريء نسف فيه بعض الآراء والنظريات التي كان يؤمن بها كل الأطباء الذين سبقوه بمن فيهم أبقراط وجالينوس وابن سينا ورفضها بشدة مما أعطى للكتاب أهمية خاصة، وتجلت فيه عبقرية ابن النفيس بالتفكير والاستنباط واكتشاف معطيات هامة جدا في علم الطب وتحديدا في فيزيولوجيا الدروان الدموي.
وهو يعد أحد رواد علم وظائف الأعضاء في الإنسان (الفيزيولوجيا). وقد تناول علم التشريح باهتمام وأكد على العلاقة بينه وبين علم وظائف الأعضاء، ودعا إلى دراسة ما يدعى (التشريح المقارن) لفهم التشريح البشري.
كان ابن النفيس معاصراً لمؤرخ الطب الشهير ابن أبي أصيبعة صاحب (طبقات الأطباء)، ودرس معه الطب في دمشق على يد مشاهير العلماء مثل مهذب الدين الداخور رئيس أطباء المستشفى النوري، ثم انتقلا إلى القاهرة وعملا معًا في مدرسة الطب والمستشفى الناصري التي أصبح ابن النفيس مديرها، ثم ترأس المستشفى المنصوري، وكان أيضا طبيب السلطان بيبرس.
ولم يكن ابن النفيس طبيبا عظيما فحسب بل كان من أكبر علماء عصره في اللغة والفلسفة، وكان فقيهاً مشهوراً وعمل في تدريس الفقه والحديث، وله في ذلك مؤلفات عديدة منها (الرسالة الكاملية في السيرة النبوية)، و(طريق الفصاحة) في النحو، و(شرح الاشارات) في الفلسفة والمنطق والتصوف.
وأما مؤلفاته الطبية فكانت ثروة علمية عظيمة، تناول فيها كتب من سبقه بالشرح والتعليق وتميزت بالجرأة وحرية الرأي، وهو أول من تنبه لأخطاء جالينوس، وشرح كتب أبقراط كلها في كتابه (شرح فصول أبقراط)، وله:
– (الموجز في الطب) وهو اختصار لكتاب القانون لابن سينا، إلا أنه لم يكن مجرد تلخيص للكتاب وإنما كان مراجعة نقدية علمية تجريبية، تعد مرجعًا لكل من أراد دراسة الطب بلغة علمية سهلة، وقد نال شهرة كبيرة وترجم إلى لغات عديدة.
-(الشامل في الطب) وهو موسوعة طبية تتكون من 300 مجلد كان ينوي أن يجعله مرجعًا طبيًا شاملاً،
تمثل صياغة علمية لجهود المسلمين في الطب والصيدلة على مدى خمسة قرون من العمل المتواصل، ولكنه مات قبل أن يكمله وقد أن أعدَّ منه ثمانين جزءًا، ومخطوطاته موجودة في دمشق.
– شرح مسائل حنين بن اسحاق
وله (رسالة في أوجاع الأطفال)، وفي طب العيون كتاب (المهذب في استعمال الكحل) تضمن إسهامات جديدة واكتشافات هامة أضافها، كما وضع نظرية باهرة في الإبصار والرؤية وكشف العديد من الحقائق التشريحية.
عاش ابن النفيس طوال حياته مطيعا لربه أمينا لدينه، لا يشغله غير العلم والتعبد، حتى مرض ستة أيام نصحه فيها أصحابه من الأطباء في علته أن يتناول شيئا من الخمر لتسكين الآلام، فأبى وقال: “لا ألقى الله تعالى وفي بطني شيء من الخمر”. ومات رحمه الله وقد وهب بيته وعيادته ومكتبته لمستشفى المنصورية خدمة للعلم.