تعد بلاد الأندلس تاج الحضارة العربية الإسلامية في التاريخ وذالك لما فيها من رقي سواء من الناحية الإجتماعية أو الدينية أوالثقافية والأدبية. فقد كانت الأندلس نقطة الضوء الوحيدة في القارة الأوروبية، فعندما عرفت الأولى العصر الذهبي فإن أوروبا كانت تعيش العصر المظلم.
وإن أخدت هذه الحضارة نسبة عربية فذالك لأن العرب كان لهم النصيب الأكبر فيها، فقد شكلوا أساس وعماد الأندلس وكانت الولاية والتمدن والثقافة والأدب والعلوم مقتصرا عليهم، وهذا ما تأكده المراجع التاريخية الإسلامية والاجنبية، ونأخد منها على سبيل المثال لا الحصر ما جاء في المجلة العلمية : The Academy Volume 6, p288 المنشورة سنة 1874م :
“ تحت حكم بني أمية الذين طردوا من الشرق، وذهبوا إلى إسبانيا، استمرت العديد من القبائل العربية التي تأسست سابقًا في سوريا ومصر وفلسطين، في التدفق إلى الأندلس، وتضخمت صفوفهم، فكان لهم في المقام الأول الثقافة والفنون والأدب والأخلاق وأي شيء آخر جعل إسبانيا مختلفة تمامًا عن الدول الأوروبية الأخرى خلال العصور الوسطى “. (راجع المصدر والصفحة هنا)
وكذالك بما قاله المؤرخ واللغوي الإسباني دون ألدرتي برناندو (1560م)، عن أهل إسبانيا بعد سقوط الأندلس بمدة قليلة : “ وأما أبناء هذه الأمة فقد أكدوا أنهم ليسوا إلا عربا؛ وبنفس المصير أقول إن جميع الأسماء القديمة، حتى قبل دخول المحمديين، وإن كانت ليست عربية فإنها بونيقية، لأن الفينيقيين..، كانت لهم مدن، وحروب، وعاشوا قرونًا عديدة وقديمة جدًا في إسبانيا“.{راجع هنا}
إقرأ أيضا:إنسان إيغود والبشر المعاصرينأولا : قول أهل العصر في أصول أهل الأندلس
لقد إتفق وأجمع مؤرخو الأندلس كبارهم وصغارهم، عربهم وعجمهم في وصفهم هذا القطر على عروبة أنساب سكانه وفصاحة لسانهم، وسنتناول في هذه الفقرة وصف سكان الأندلس ومن الغالب فيهم، من كتب مؤرخي وعلماء أندلسيين كبار في حقب مختلفة :
١- إبن حزم الأندلسي (994-1064م)، يعد من أكبر علماء الأندلس وأكبر علماء الإسلام تصنيفًا وتأليفًا بعد الطبري، وهو إمام حافظ، فقيه ظاهري، ومتكلم وأديب، وشاعر ونسّابة، وعالم برجال الحديث وناقد محلل بل وصفه البعض بالفيلسوف، يقول إبن حزم في وصف الأندلس وسكانه :
٢- أبو حامد الغرناطي (1080-1170م)، كاتب أندلسي، من مشاهير الرحالة والجغرافيين الأندلسيين، وهو صاحب كتاب “تحفة الألباب ونخبة الإعجاب“، وكتاب “المُغْرِب عن بعض عجائب المَغْرِب”، وغيرهما، دوَّن فيها مشاهداته في بلاد المغرب والأندلس والشام ومصر، ويحظى ما كتبه عن بلاد روسيا والفولغا والمجر بأهمية بالغة، يقول في وصف سكان الأندلس :
٣- عبد الله الحجاري الأندلسي (1188م) هو مؤرخ أندلسي، نسبته إلى وادي الحجارة (Guadalajara) له كل من 《المسهب في أخبار أهل المغرب 》 و《 الحديقة 》يقول عبد الله في وصف فضائل أهل الأندلس :
إقرأ أيضا:بث مباشر: الإلحاد والسياسات اللغوية في المغرب٤- محمد بن أيوب بن غالب المعروف بإبن غالب الأندلسي من أهل القرن الثاني عشر ميلادي (12م)، يقول في مخطوطه المكتشف حذيثا، والمعنون ب “فرحة الأنفس في تاريخ الأندلس” ، في وصف أهل الأندلس وطبائعهم :
٥ – لسان الدين بن الخطيب القحطاني (القرن 14م)، كان وحيد زمانه في الكتابة والإحاطة بالعلوم الدينية والفنون الأدبية والحكمة العقلية والتاريخ الأندلسي ولد سنة ۷۱۳ هجرية، ونشأ بغرناطة، كان والده قيما على مخازن الطعام عند ملوك بني الأحمر فنشأه أحسن تنشئة حتى أجاد القرآن حفظاً وتجويدًا في العربية وآدابها والعلوم الشرعية والفلسفية والطب. يقول واصفا أهل الأندلس في زمانه :
٦ – أحمد المقري التلمساني (القرن 16م)، هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد المقري القرشي التلمساني، ولد بمدينة تلمسان سنة 992هـ. وأصل أسرته من مقرة- بفتح الميم وتشديد القاف المفتوحة- وهي من أعمال قسنطينة بالجزائر أيضا، تتلمذ على معظم علماء المغرب في وقته، ولم يسمع بعالم أو شيخ إلا وسعى إليه وأفاد منه، وهو من أبرز مؤرخي الأندلس، يقول في وصف أهل الأندلس :
إقرأ أيضا:قبائل المغرب: اتحادية قبائل الشياظمةبعد جردنا لسكان الأندلس وصفاتهم، يتبين أنا ما يجمع عليه المؤرخون المعاصرون أن العرب هم سواد هذه الأمة الأندلسية وهذا مايفسر نبوغ العلوم العربية في هذه البلاد عن غيرها، وتزين كل قطر من أقطارها ومعالمها بزخرفات لغة الضاد الشامخة.
جاء في المجلة الأمريكية للعلوم الاجتماعية الإسلامية حول هجرة القبائل العربية وتوسعها : “ أدى توسع الإسلام أيضًا إلى قيام القبائل العربية بأحد أكبر التوسعات في التاريخ بهجرتهم من شبه الجزيرة العربية إلى العراق وخراسان والإمبراطورية الصينية، وإلى شمال إفريقيا وإسبانيا (الأندلس) “. (راجع هنا)
ثانيا : توزيع العرب في مدن الأندلس
قال أحمد بن محمد الرازي (888-955م) ؛ 《 أول من سكن الأندلس بعد الطوفان على ما يذكره علماء عجمها قوم يعرفون بالأندلس بشين معجمة بهم سمى البلد ثم عرب 》. (راجع من كتاب الحميري هنا)
وإن غالب القبائل العربية التي هاجرت للأندلس إستقرت في المدن والأماكن الخصبة يقول المؤرخ البريطاني هيو كينيدي (Hugh Kennedy) : “ يميل الأشخاص من نفس الخلفيات القبلية والعرقية إلى الاستقرار في نفس المناطق وفي المناطق التي يعتبرونها مناسبة لنمط حياتهم، ولهذا استقر العرب بشكل عام في المدن الرئيسية والمناطق المروية الخصبة “.(راجع هنا)
يقول إبن رستة العالم الجغرافي الفارسي (912م) في كتاب الاعلاق النفيسة عن توزيع العرب في مدن الأندلس : “ ومن أراد جزيرة الأندلس…، حتى يصير إلى بَلَدِ تُدمير (Tudmir) وهو بَلَد واسع عامر فيه مدينتان يقال لإحداهما العَسْكَرُ والأُخْرَى لورقة (Lorca) في كل واحدة منبر، ثُمَّ يخرج منها الى المدينةِ الَّتى يَسْكُنُها المُتَقَلِّبُ من بني أمية، وهي مدينة يُقال لها قرّطْبة فيسيرُ سِتَّةَ أَيَّامٍ من هذا الموضع في قرى مُتَّصِلة وعمارات ومروج وأَوْدِيَةٍ وَأَنْهَارٍ وعُيونٍ ومزارع، وقَبْلَ أَن يَصير إلى مدينة قرطبة من تُدْمِيرَ يَصِيرُ الى مدينة يقال لها البيرةُ (Elvira) نَزَلَها مَنْ كان قَدِمَ البَلَدَ من جُنْدِ دِمَشْقَ من مُضَرَ وجُلُّهم قَيْس وأفناء قبائل العرب بينها وبين قرطبة مسيرةُ يَوْمَيْنِ، وغَرْبِيَّها مدينة يقال لها ريَهُ (Rayya) نَزَلَها جُنْدُ الْأَرْدُنِ وهِم يَمَنْ كُلُّهم من سائر البطون، وغربي ريّة مدينة يقال لها شَدونةُ (Sidonia) نَزَلَها جُنْدُ حِمْصَ وَأَكْثَرُم يمن وفيهم من نِزارٍ نَفَر يَسيرٌ، وغَرْبِيَّ شَدونة مدينة يقال لها الجزيرةُ نَزَلَها البَرْبَرُ وأَخْلاطٌ من العَرَبِ قليل، وغربي اشبيلية مدينة يقال لها لَبلةُ (Niebla) نَزَلَها العرب أَوَّلَ ما دُخِلَ البَلَدُ مع طارق مَوْلَى موسى بن نُصَيْرٍ اللخمي، وغربيها مدينة يقال لها باجة (Beja) نَزَلَها العربُ أَيْضًا مع طارق…،ثُمَّ يَخْرُجُ من قرطبة مشرقا إلى مدينة يقال لها جَيّانُ (Jaén) وبها مَنْ كَانَ مِن جُنْدِ قنسرين والعواصمِ وهم أخلاط منَ العَرَبِ مَن مَعَدّ واليَمَنِ، ومن جيان ذات الشمال إلى مدينة طليطلة مدينة منيعة جليلة ليس في الجزيرة مدينة أمنع منها وأهْلُها مخالفون على بني أُمَيَّةَ وهم أخلاط من العَرَبِ والبَرْبَرِ والمَوالى ولها نَهَر عَظِيمٌ يقال له دوير..، “. (راجع ك، هنا)
ويصف إبن خلدون الحضرمي كثرة العرب الشاميين الذين نزلوا على الوالي أبو الخطار حسان بن ضرار الكلبي، وأماكن إستيطانهم قائلا ؛ ” وقدم أبو الخطار حسام بن ضرار الكلبي، من قبل حنظلة بن صفوان عامل أفريقية، وركب إليها البحر من تونس سنة خمس وعشرين فدانت له أهل الأندلس وأقبل إليه ثعلبة وابن أبي سعد، وإبنا عبد الملك فلقيهم وأحسن إليهم واستقام أمره. وكان شجاعا كريما ذا رأي وحزم، وكثر أهل الشام عنده ولم تحملهم قرطبة ففرقهم في البلاد، وأنزل أهل دمشق البيرة لشبهها بها وسماها دمشق، وأنزل أهل حمص أشبيلية وسماها حمص لشبهها بها، وأهل قنسرين جيان وسماها قنسرين، وأهل الأردن ريّه وهي مالقة وسماها الأردن. وأهل فلسطين شدونة وهي شريش وسماها فلسطين، وأهل مصر تدمر وسماها مصر “. (راجع هنا)
ويقول ابن الأبّار البلنسي الأندلسي (1199-1266م) ؛ “العرب الشاميين الغالبين على البلد عن دار الإمارة قرطبة، إذ كانت لا تحملهم، وأنزلهم مع العرب البلديين على شبه منازلهم في كور شامهم، وتوسع لهم في البلاد، فأنزل فى كورتى أكشونية وباجة جند مصر مع البلديين الأول، وأنزل باقيهم في كورة تدمير، وأنزل في كورتي لبلة وإشبيلية جند حمص مع البلديين الأول أيضاً، وأنزل في كورة شذونة والجزيرة جند فلسطين، وأنزل في كورة رية جند الأردن، وأنزل في كورة البيرة جند دمشق، وأنزل جیان جند قنسرين، وجعل لهم ثلث أموال أهل الذمة من العجم طعمة، وبقى العرب البلديون من الجند الأول على ما بأيديهم من أموالهم لم يعرض لهم في شيء منها، فلما رأوا بلادا شبه بلادهم خصباً وتوسعة، سكنوا واغتبطوا وتمولوا “. (راجع المصدر هنا)
ويُحَلِّي ابن بسام الشنتريني( 1058-1147م)، قرطبة وأهلها قائلا : “وبالجملة فأكثر أهل بلاد هذا الأفق -يعني قرطبة خاصةً والأندلس عامَّة- أشراف عرب المشرق افتتحوها، وسادات أجناد الشام والعراق نزلوها؛ فبقي النسل فيها بكل إقليم، على عرقٍ كريم، فلا يكاد بلد منها يخلو من كاتب ماهر، وشاعر قاهر“.
وعن إشبيلية مدينة العرب في الأندلس يقول إبن بسام الشنتريني : “وحضرة إشبيلية على قدم الدهر كانت قاعدة هذا الجانب الغربي من الجزيرة، وقرارة الرياسة ومركز الدول المتداولة، ومنها مهدت البلاد، وانبثت الجياد، عليها الفرسان، كأنها العقبان، وبهذا الأفق نزل جند حمص من المشرق فسميت حمص، ولما كانت دار الأعزة والأكابر، ثابت فيها الخواطر، وصارت مجمعاً لصوب العقول وذوب العلوم، وميداني فرسان المنثور والمنظوم“.(راجع هنا)
ونشير إلى أن إشبيلية وقرطبة إلى جانب عرب الفتح سيعرفان إستيطان عربي أخر في عهد الموحدين ؛ يقول مؤرخ الموحدين عبد الواحد المراكشي؛ 《 ولما أراد عبد المؤمن بن علي الجواز إلى الأندلس، استنفر أهل المغرب عامة فكان فيمن استنفره العرب وهم قبائل من هلال بن عامر..، فكتب إليهم رسالة يستنفرهم إلى الغزو بجزيرة الأندلس، فاستجاب له منهم جمع ضخم، فلما أراد الانفصال عن الجزيرة رتبهم فيها، فجعل بعضهم من نواحي قرطبة، وبعضهم من نواحي إشبيلية مما يلي مدينة شريش وأعمالها ؛ فهم بها باقون إلى وقتنا هذا – وهو سنة 1224م وقد انتشر من نسلهم بتلك المواضع خلق كثير، وزاد فيهم أبو يعقوب وأبو يوسف حتى كثروا هنالك ؛ فالجزيرة اليوم من العرب من زغبة ورياح وجشم بن بكر وغيرهم نحو من خمسة آلاف فارس سوى الرجالة 》. (راجع هنا)
وعن غرناطة حاضرة العرب يقول إبن الخطيب الأندلسي في مدح أهلها وبنائها قائلا : “ورأيت أن هذه الحضرة التي لا خفاء بما وفّر الله من أسباب إيثارها، وأراده من جلال مقدارها، جعلها ثغر الإسلام ومتبوّأ العرب الأعلام، قبيل رسوله، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، وما خصّها به من اعتدال الأقطار، وجريان الأنهار، وانفساح الاعتمار، والتفاف الأشجار. نزلها العرب الكرام عند دخولهم مختطّين ومقتطعين، وهبّوا بدعوة فضلها مهطعين، فعمروا وأولدوا، وأثبتوا المفاخر وخلّدو“. (هنا)
وعن أهل شرق الأندلس فقد كانوا عربا خلصا كما أكد صاحب 《تاريخ الأندلس》وهو مؤرخ أندلسي عاش في زمن دولة بني نصر الخزرجية (القرن 14م) فيقول في وصف مدن شرق الأندلس وسكانها ؛ ” الخبر عن مدينة باجة من بلاد شرق الأندلس (البرتغال حاليا)، وهي مدينة عظيمة أزلية من أقدم مدن الأندلس بنيانا، وبها آثار عظيمة، وقيل إنها من بنيان بولش جاشر الملك الرومي الذي ملك الأندلس، وهو أول من تسمى بقيصر من ملوك الروم، وسماها باجة باسم ابنته، متصلة بأعمال ماردة (وهي) غرب من قرطبة، واغلة في الجوف، وهي حصينة كثيرة الثمار، ذات زرع وضرع وفواكه وعسل طيب، وبها معدن الفضة، وبها مدن كثيرة وحصون منيعة وقرى متصلة وأعمال واسعة، وبها حمامات وشوارع واسعة وأسواق ومساجد كثيرة، وأهلها عرب.(راجع هنا)
ذكر مدينة إفراغة جبرها الله تعالى، وإفراغة من قواعد شرق بلاد الأندلس وهي مدينة قديمة أزلية. وأهلها عرب في الأصل، نزلها قبائل من اليمن في أول الفتح ؛ فنسلهم بها، وأهلها صالحون أهل دين متين وبها عسل كثير، وزعفران كثير طيب. وعليها جبال منيعة وحصون وقرى كثيرة تزيد على ثلاثة آلاف قرية في كل قرية خطبة “. (راجع هنا)
راجع للمزيد مقال 《 مدن العرب في الأندلس 》.
ثالثا : تقسيم قبائل العرب في الأندلس
وعن توزيع القبائل العربية في الأندلس يفصل لنا في هذا المؤرخ الجليل المقري التلمساني كما يلي :
” لمّا قدم واستقر أهل الإسلام بالأندلس وتمّ فتحها صرف أهل الشام وغيرهم من العرب هممهم إلى الحلول بها، فنزل بها من جماهير العرب وساداتهم جماعة أورثوها أعقابهم إلى أن كان من أمرهم ما كان.
فأمّا قبائل العدنانيون فمنهم خندف ومنهم قريش، وأمّا بنو هاشم من قريش فقال ابن غالب في فرحة الأنفس: بالأندلس منهم جماعة كلّهم من ولد إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب، ومن هؤلاء بنو حمّود ملوك الأندلس بعد انتثار دولة بني أمية.
وأمّا بني أمية فمنهم كان خلفاء الأندلس، قال ابن سعيد : ويعرفون هنالك إلى الآن بالقرشيين، وإنّما عمّوا نسبتهم إلى أميّة في الآخر لمّا انحرف الناس عنهم، وذكروا أفعالهم في الحسين رضي الله عنه. وأمّا بنو زهرة من قريش فهم بإشبيلية أعيان متميزون.
وأمّا المخزوميون من قريش فمنهم أبو بكر المخزومي الأعمى الشاعر المشهور من أهل حصن المدوّر، ومنهم الوزير الفاضل في النظم والنثر أبو بكر بن زيدون ووالده الذي هو أعظم منه أبو الوليد بن زيدون وزير معتمد بن عبّاد.
وقال ابن غالب : وفي الأندلس من ينسب إلى بني جمح، قال ابن حزم { وبني عون الذين في وهران والأندلس من بني جمح من قريش }، وكان هناك في الأندلس من ينتسب إلى بني عبد الدار، وكثير من قريش المعروفون بالفهريين من بني محارب ابن فهر، وهم من قريش الظواهر، ومنهم :
عبد الملك بن قطن سلطان الأندلس، ومن ولده بنو القاسم الأمراء الفضلاء، وبنو الجدّ الأعيان العلماء. ومن بني الحارث بن فهر يوسف بن عبد الرحمن الفهري سلطان الأندلس الذي غلبه عليها عبد الرحمن الأموي الداخل، وجدّ يوسف عقبة بن نافع الفهري صاحب الفتوح بإفريقية، قال ابن حزم : ولهم بالأندلس عدد وثروة.
وأما المنتسبون إلى عموم كنانة فكثير وجلّهم في طليطلة وأعمالها، ولهم ينسب الوقّشيّون الكنانيون الأعيان الفضلاء الذين منهم القاضي أبو الوليد والوزير أبو جعفر، ومنهم أبو الحسين بن جبير العالم صاحب الرحلة، وقد ذكرناه في محله. وأما هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر فذكر ابن غالب أن منزلهم بجهة أريولة من كورة تدمير.
وأمّا تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر فذكر ابن غالب أيضاً أنهم خلق كثير بالأندلس، ومنهم أبو الطاهر صاحب المقامات اللزومية. وأمّا ضبة بن أد بن طابخة فذكر أنهم قليلون بالأندلس، فهؤلاء خندف من العدنانية.
وأما قيس عيلان بن إلياس بن مضر من العدنانية ففي الأندلس كثير منهم ينتسبون إلى العموم، ومنهم من ينتسب إلى سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس، كعبد الملك بن حبيب السّلمي الفقيه صاحب الإمام مالك رضي الله عنه، وكالقاضي أبي حفص بن عمر قاضي قرطبة.
ومن قيس من ينتسب إلى هوازن بن منصور بن عكرمة، قال ابن غالب: وهم بإشبيلية خلق كثير، ومنهم من ينتسب إلى بكر بن هوازن، قال ابن غالب : ولهم منزل بجوفيّ بلنسية على ثلاثة أميال منها، وبإشبيلية وغيرها منهم خلق كثير، ومنهم بنو حزم، وهم بيت غير البيت الذي منه أبو محمد بن حزم الحافظ الظاهري .
ومنهم من ينتسب إلى سعد بن بكر بن هوازن، وذكر ابن غالب أن منهم بغرناطة كثيراً، كبني جوديّ، وقد رأس بعض بني جودي. ومنهم من ينتسب إلى سلول امرأة نسب إليها بنوها، وأبوهم مرّة بن صعصعة ابن معاوية بن بكر بن هوازن.
ومنهم من ينتسب إلى كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. ومنهم من ينتسب إلى نمير بن عامر ابن صعصعة، قال ابن غالب: وهم بغرناطة كثير. ومنهم من ينتسب إلى قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، ومنهم بلج بن بشر صاحب الأندلس وآله، وبنو رشيق.
ومن قبائل غطفان منهم من ينتسب إلى فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان.
ومنهم من ينتسب إلى أشجع بن ريث بن غطفان، ومن هؤلاء محمد بن عبد الله الأشجعي سلطان الأندلس.
وفي ثقيف اختلاف، فمنهم من قال : إنّها قيسية، وإن ثقيفاً هو قسيّ بن منبه بن بكر بن هوازن، ومنهم بالأندلس جماعة، وإليهم ينتسب الحرّ بن عبد الرحمن الثقفي صاحب الأندلس، وقيل: إنّها من بقايا ثمود؛ انتهى قيس عيلان وجميع مضر.
وأما ربيعة بن نزار فمنهم من ينتسب إلى أسد بن ربيعة بن نزار، جاء في كتاب فرحة الأنفس: إن إقليم هؤلاء مشهور باسمهم بجوفيّ مدينة وادي آش، انتهى؛ والأشهر بالنسبة إلى أسد أبداً بنو أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر. ومنهم من ينتسب إلى محارب بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة، قال ابن غالب في فرحة الأنفس: ومنهم بنو عطية أعيان غرناطة. ومنهم من ينتسب إلى النّمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد، كبني عبد البر الذين منهم الحافظ أبو عمر بن عبد البر.
ومنهم من ينتسب إلى تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب، كبني حمدين أعيان قرطبة، ومنهم من ينتسب إلى بكر بن وائل، كالبكريين أصحاب أونبة وشلطيش الذين منهم أبو عبيد البكري صاحب التصانيف؛ انتهت ربيعة. وأما إياد بن نزار، وقد يقال: إنّه ابن معد، والصحيح الأول، فينتسب إليهم بنو زهر المشهورون بإشبيلية وغريهم؛ ( انتهت العدنانية ).
والقحطانية هم المعروفون باليمانية، وكثيراً ما يقع بينهم وبين المضرية وسائر العدنانية الحروب بالأندلس، كما كان يقع بالمشرق، وهم الأكثر بالأندلس، والملك فيهم أرسخ، إلا ما كان من خلفاء بني أمية، فإن القرشية قدّمهم على الفرقتين،واسم الخلافة لهم بالمشرق، وكان عرب الأندلس يتميزون بالقبائل والعمائر والبطون والأفخاذ، إلى أن قطع ذلك المنصور بن أبي عامر الداهية الذي ملك سلطنة الأندلس، وقصد بذلك تشتيتهم وقطع التحامهم وتعصّبهم في الاعتزاء، وقدّم القوّاد على الأجناد، فيكون في جند القائد الواحد فرقّ من كل قبيل، فانحسمت مادة الفتن والاعتزاء بالأندلس، إلاّ ما جاءت على غير هذه الجهة.
قال ابن حزم : جماع أنساب اليمن من جذمين: كهلان وحمير ابني سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر بن شالح بن أرفخشذ بن سام بن نوح، وقيل: قحطان بن الهميسع بن تيهان بن نبت بن إسماعيل، وقيل قحطان بن هود بن عبد الله بن رباح بن حارف بن عد بن عوص بن إرم بن سام، والخلف في ذلك مشهور.
فمنهم كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ومنهم الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان، وإليهم ينتسب محمد بن هانئ الشاعر المشهور الإلبيري، وهو من بني المهلّب؛ ومن الأزد من ينتسب إلى غسّان، وهم بنو مازن بن الأزد، وغسّان: ماء شربوا منه، وذكر ابن غالب أن منهم بني القليعي من أعيان غرناطة، وكثير منهم بصالحة قريةٍ على طريق مالقة؛ ومن الأزد من ينتسب إلى الأنصار على العموم، وهم الجم الغفير بالأندلس.
قال ابن سعيد : والعجب أنّك تعدم هذا النسب بالمدينة وتجد منه بالأندلس في أكثر بلدانها ما يشذ عن العدد كثرة، ولقد أخبرني من سأل عن هذا النسب بالمدينة فلم يجد إلاّ شيخاً من الخزرج وعجوزاً من الأوس. قال ابن غالب: وكان جزء الأنصار بناحية طليطلة، وهم أكثر القبائل بالأندلس في شرقها ومغربها.
ومن الخزرج بالأندلس أبو بكر عبادة بن عبد الله بن ماء السماء من ولد سعد بن عبادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المشهور بالموشّحات، وإلى قيس بن سعد بن عبادة ينتسب بنو الأحمر سلاطين غرناطة الذين كان لسان الدين بن الخطيب أحد وزرائهم، وعليهم انقرض ملك الأندلس من المسلمين، واستولى العدوّ على الجزية جميعاً كما يذكر.
ومن أهل الأندلس من ينتسب إلى الأوس و الخزرج، ومنهم من ينتسب إلى غافق بن عكّ بن عدثان بن هزّان بن الأزد، وقد يقال: عك بن عدنان – بالنون – فيكون أخا معدّ بن عدنان، وليس بصحيح؛ قال ابن غالب: من غافق أبو عبد الله بن أبي الخصال الكاتب، وأكثر جهات شقورة ينتسبون إلى غافق.
ومن كهلان من ينتسب إلى همدان، وهو أوسلة بن مالك بن زيد بن أوسلة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان، ومنزل همدان مشهور على ستة أميال من غرناطة، ومنهم أصحاب غرناطة بنو أضحى. ومن كهلان من ينتسب إلى مذحج، ومذحج: اسم أكمة حمراء باليمن، وقيل: اسم أم مالك وطيء ابني أدد بن زيد بن كهلان، قال ابن غالب: بنو سراج الأعيان من أهل قرطبة ينتسبون إلى مذحج، ومنزل طيء بقبلي مرسية.
ومنهم من ينتسب إلى مراد بن مالك بن أدد، وحصن مراد بين إشبيلية وقرطبة مشهور، قال ابن غالب: وأعرف بمراد منهم خلقاً كثيراً. ومنهم من ينتسب إلى عنس بن مالك بن أدد، ومنهم بنو سعيد مصنفو كتاب المغرب وقالعة بني سعيد مشهورة في مملكة غرناطة. ومن مذحج من ينتسب إلى زبيد، قال ابن غالب: وهو منبّه بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد.
ومن كهلان من ينتسب إلى مرّة بن أدد بن زيد بن كهلان، قال ابن غالب : منهم بنو المنتصر العلماء من أهل غرناطة. ومنهم من ينتسب إلى عاملة، وهي امرأة من قضاعة ولدت للحارث بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد، فنسب ولدها منه إليها، قال ابن غالب: منهم بنو سماك القضاة من أهل غرناطة، وقوم زعموا أن عاملة هو ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقيل: هم من قضاعة. ومن كهلان خولان بن عمرو بن الحارث بن مرّة، وقلعة خولان مشهورة بين الجزيرة الخضراء وإشبيلية، ومنهم بنو عبد السلام أعيان غرناطة.
ومنهم من ينتسب إلى المعافر بن يعفر بن مالك بن الحارث بن مرّة، ومنهم المنصور بن أبي عامر صاحب الأندلس. ومنهم من ينتسب إلى لخم بن عدي بن الحارث بن مرّة، منهم بنو عبّاد أصحاب إشبيلية وغيرها، وهم من ولد النعمان بن المنذر صاحب الحيرة، ومنهم بنو الباجي أعيان إشبيلية، وبنو وافد الأعيان.
ومنهم من ينتسب إلى جذام مثل ثوابة بن سلامة صاحب الأندلس، وبني هودٍ ملوك شرقيّ الأندلس، ومنهم المتوكل بن هود الذي صحت له سلطنة الأندلس بعد الموحّدين، ومنهم بنو مردنيش أصحاب شرقي الأندلس، قال ابن غالب: وكان لجذام جزء من قالعة رباح، واسم جذام عامر، واسم لخم مالك، وهما ابنا عديّ.
ومن كهلان من ينتسب إلى كندة،وهو ثور بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد، ومنهم يوسف بن هرون الرمادي الشاعر. ومنهم من ينتسب إلى تجيبوهي امرأة أشرس بن السّكون بن أشرس بن كندة.
ومن كهلان من ينتسب إلى خثعم بن أنمار بن اراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان، ومنهم عثمان بن أبي نسعة سلطان الأندلس، وقد قيل: أنمار بن نزار بن معدّ بن عدنان؛ انتهت كهلان.
وأمّا حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان فمنهم من ينتسب إلى ذي رعين، قال ابن غالب : وذو رعين هم ولد عمرو بن حمير في بعض الأقوال، وقيل : هو من ولد سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير، قال : ومنهم أبو عبد الله الحنّاط الأعمى الشاعر، قال الحازمي في كتاب النسب واسم ذي رعين يريم بن زيد بن سهل، ووصل النسب، ومنهم من ينتسب إلى ذي أصبح ، قال ابن حزم : وهو ذو أصبح ابن مالك بن زيد من ولد سبأ الأصغر بن زيد بن سهر بن عمرو بن قيس، ووصل النسب، وذكر الحازمي أن ذا أصبح من كهلان، وأخبر أن منهم مالك بن أنس الإمام، والمشهور أنهم من حمير، والأصبحيون من أعيان قرطبة، ومنهم من ينتسب إلى يحصب، قال ابن حزم: إنّه أخو ذي أصبح وهم كثير بقلعة بني سعيد، وقد تعرف من أجلهم في التواريخ الأندلسية بقلعة يحصب، ومنهم من ينتسب إلى هوزن بن عوف بن عبد شمس بن وائل بن الغوث، قال ابن غالب: ومنزلهم بشرف إشبيلية، والهوزنيون من أعيان إشبيلية.
ومنهم من ينتسب إلى قضاعة بن مالك بن حمير، وقد قيل: إنّه قضاعة بن معدّ بن عدنان، وليس بمرضي، ومن قضاعة من ينتسب إلى مهرة كالوزير أبي بكر بن عمار الذي وثب على ملك مرسية، وهو مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، ومنهم من ينتسب إلى خشين بن نمر بن وبرة بن تغلب، قال الحازمي : تنوخ هو مالك بن فهم بن تيم الله بن أسد بن وبرة. ومنهم من ينتسب إلى بليّ بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، ومنهم البلويّون بإشبيلية. ومنهم من ينتسب إلى جهينة بن سود بن أسلم بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، قال ابن غالب: وبقرطبة منهم جماعة.
ومنهم من ينتسب إلى كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان كبني أبي عبدة الذين منهم بنو جهور ملوك قرطبة ووزراؤها. ومنهم من ينتسب إلى عذرة بن سعد هذيم بن زيد بن سود بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، ومنهم أعيان الجزيرة الخضراء بنو عذرة.
ومن أهل الأندلس من ينتسب إلى حضرموت، منهم الحضرميون بمرسية وغرناطة وإشبيلية وبطليوس وقرطبة؛ قال ابن غالب:وهم كثير بالأندلس، وفيه خلاف، قيل: إن حضرموت هو ابن قحطان، وقيل: هو حضرموت بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن جيدان – بالجيم – بن قطن بن العريب بن الغرز بن نبت بن أيمن بن الهميسع بن حمير، كذا نسق النسب الحازميّ. ومن أهل الأندلس من ينتسب إلى سلامان، ومنهم الوزير لسان الدين بن الخطيب حسبما ذكر في محله “.(راجع هنا)
رابعا : مسألة إبادة وتهجير البربر من الأندلس
كان الإنتصار الكاسح للعرب وإبادة البربر ومن تبعهم من الخوارج في معركتي القرن والأصنام، بمتابة إعادة الإعتبار وحافز لنزوح العرب لشمال إفريقية مجددا، بعدما أعادو قوتهم وملكهم في بلاد المغرب، وقد إستمر ملك الأمويين بعد المعركتين للمغرب حتى قيام فتنة الوليد الفاسق، يقول الناصري في الإستقصا :“ ولم يزل حنظلة على المغرب في أحسن حال إلى أن طرق الخلل الخلافة بالمشرق، وخفت صوتها لما حدث في بني أمية من فتنة الوليد الفاسق “.
وإن آثار هذين المعركتين العظيمتين إمتدت حتى لعرب الأندلس وأعادت الشجاعة فيهم، فبعد ثورة البربر على العرب في الأندلس في محاولة لتحقيق ما قام به بربر العدوة، قام وليها إبن قطن بالإستعانة ببلج وجيشه من الشاميين العرب لمحاربة البربر قبل أن تقوى شوكتهم وهذا ما حققه القائد بلج على أثم وجه، يقول المقري التلمساني مؤرخ الأندلس في هذا:
“ واتفق في هذا الوقت أن برابر الأندلس لما بلغهم ما كان من ظهور برابر العذوة على العرب انتقضوا على عرب الأندلس، واقتدوا بما فعله إخوانهم، ونصبوا عليهم إمامًا، فكثر إيقاعهم بجيوش ابن قطن، واستفحل أمرهم، فخاف ابن قطن أن يلقى منهم ما لقي العرب بير العدوة من إخوانهم، وبلغه أنهم قد عزموا على قصده، فلم ير أجدى من الاستعداد بعرب الشام أصحاب بلج الموتورين، فكتب لبلج، وقد مات عنه كلثوم في ذلك الوقت، فأسرعوا إلى إجابته، وكانت أمنيتهم، فأحسن إليهم، وأسبغ النعم عليهم، وشرط عليهم أن يأخذ منهم رهائن، فإذا فرغوا له من البربر جهزهم إلى إفريقية، وخرجوا له عن أندلسه، فرَضُوا بذلك، وعاهدوه عليه، فقدم عليهم وعلى جنده ابنيه قطنا وأمية، والبربر في جموع لا يحصيها غير رازقها، فاقتتلوا قتالاً صعب فيه المقام، إلى أن كانت الدائرة على البربر، فقتلتهم العرب بأقطار الأندلس حتى الحقوا قلهم بالثغور وخلوا عن العيون، فكر الشاميون وقد امتلأت أيديهم من الغنائم فاشتدّت شوكتهم، وثابت همتهم “.
وقال عن هذا إبن عذاري في «البيان المغرب» ؛ “ فلما حلوا بالخضراء، اجتمع بهم عبد الملك بن قطن؛ وكان بشذونة جمع من البربر، عليهم رجل زناتي؛ فبدأ عبد الملك بمقاتلتهم في وادي الفتح من شذونة، فلم يكن العرب فيهم إلا نهضة، حتى أبادوهم، وأصابوا أمتعتهم ودوابهم. فاكتسى أصحاب بلج، وانتعشوا، وأصابوا الغنائم. ثم نهضوا مع عبد الملك إلى قرطبة؛ ثم ساروا بأجمعهم إلى جهة طليطلة، وقد اجتمع هنالك معظم البربر؛ فكانت هزيمتهم العظمى هنالك بوادي سليط من حوز طليطلة، بعد أن زحف عبد الملك وبلج إليهم بعرب الأندلس، حاشا عرب سرقسطة وثغورها. وزحف البربر بأجمعهم، فهزمهم العرب، وقتلوا منهم في الهزيمة آلافا “. (راجع هنا)
بعد إبادة البربر في الأندلس على يد الشاميين قوة شوكتهم بالبلاد، يقول إبن عذاري : “لما أباد ابن قطن البربر بالأندلس، بمن كان معه من العرب، وبأصحاب بلج، قال لبلج وأصحابه: (اخرجوا من الأندلس على ما شورطتم عليه!) فقال بلج: (احملنا إلى ساحل البيرة أو ساحل تدمير!) فقال لهم عبد الملك: (ليست لنا مراكب إلا بالجزيرة!) فقالوا له: (إنما تريد أن تردنا إلى البربر ليقتلونا في بلادهم!) فلما ألجَّ عليهم في الخروج، نهضوا إليه؛ فأخرجوه من قصر قرطبة إلى داره بالمدينة…“. (راجع هنا)
فلما هلك بلج قدم الشاميون عليهم بالأندلس ثعلبة بن سلامة سنة 742م، فقام هو الأخر بمطاردة من بقي من البربر في مخابئهم فحاصر أخر معاقل البربر في الأندلس وقتلهم ومن معهم من العرب وسبا نسائهم وأطفالهم، يقول عن هذا الدكتور عبد القادر بولاية: ” فهذا ثعلبة بن سلامة….، يقوم بغزو من بقي من البربر والعرب البلديين المقيمين بماردة (معقل البربر) ، ويقتل عددا كبيرا منهم في يوم العيد، ولم يكتف بذلك بل أقبل إلى قرطبة بعدد من السبي كثير – يقدره المؤرخون بنحو الألف إلى عشرة ألاف “.
يقول إبن عذاري في البيان المغرب :
” فأقعد أصحابه ثعلبة بن سلامة بما عهد به هشام إليهم، وبايعوه. وثار من بقى من البربر بماردة في أيامه، فغزاهم، وقتل منهم خلقاً كثيراً “. (راجع هنا)
ويقول إبن الأثير في الكامل في التاريخ :
” الأمير ثعلبة فقام بالأمر وثارت في ايامه البربر بناحية ماردة فغزاهم فقتل فيهم فاكثر “. (راجع هنا)
وبعد هذه الإبادة الكبيرة التي عرفها البربر في عهد هشام بن عبد الملك حاول البربر الفرار من الحد وهربوا من الأندلس وفي هذا يقول عبد القادر بوباية :
” وبعد الحرب العنيفة التي دارت بين الطرفين، وانتصار العرب على البربر، اشتد العرب في الانتقام منهم؛ فخاف من بقي من البربر، واضطروا إلى ترك البلاد ” . (راجع هنا)” .
خامسا : في شرح مصطلح المور ودلالته
أطلق على العرب في الأندلس في اخر مراحل حكمهم لقب المور وهو لقب قدحي يعني الكافر، وشاع إستعمال هذا المصطلح بكثرة عند الإسبان عند وصفهم للعرب، يقول مارتين كاريو (ت. 1630م) في الكتاب الثالث من “حوليات ومذكرات كرونولوجية” (Annales y Memorias Cronologicas)، عن المور وأصلهم :
وفي نفس السياق يقول بيدرو ميكسيا (Pero Mexía)، العالم الإنساني والفيلسوف، أحد أشهر مؤرخي الإسبان في عصر النهضة الإسبانية، عن أصل المور وهو الذي عاش بينهم وعاصر سقوط حكمهم:
“ في غضون سنوات قليلة، كانت أقل من أربع سنوات حسب حسابي، قوة إيمانهم جعلتهم أسيادًا لكل شيء يدافع عنه من مصر إلى مقاطعة موريتانيا، تينجنتينا، سبتة، طنجة، أصيلة..، وهم يسمون ماوروس، أو المور، وأيضًا العرب، لأنهم أتوا من شبه الجزيرة العربية “. {راجع، هنا}
ونجد المؤرخ الإسباني دييغو دي هايدو (1555-1613م)، يصف أحد القياد العرب بالموري فيقول : “كان من أمة مورية، أو عربية، ولد في الإسكندرية بمصر، وكان اسمه أمات“. {راجع هنا}
وقد يخلط البعض بين المور العرب في الأندلس والموروسي السكان الأصليين لمملكة موريطنة، لكن لا علاقة بين الإسمين والشعبين بل هناك تشابه محرف لا أكثر، كما أن سكان مملكة موريطنة الموروسي شعب بائد، لم يبقى منه إلا القليل المعدود، عند قدوم العرب الفاتحين، يقول المؤرخ الروماني بليني الأكبر : “ يبلغ طول مقاطعة تنجيتانا 170 ميلاً . من بين الأمم في هذه المقاطعة، كانت الرئيسية هي قبيلة الموري، وقد أطلق عليها العديد من الكتاب الموروسي. لقد أضعفت كوارث الحرب هذه الأمة إلى حد كبير ، وتضاءلت الآن في عدد قليل من العائلات فقط “.{راجع هنا}
وبالتالي فبليني الأكبر تكلم عن إنقراض الموروسي قبل العرب بقرون فهو تولى حكم ولاية إفريقية في 40م، أي قبل الفتح العربي ب600 سنة، وقبل الغزو الوندالي ب300 سنة، ومعلوم أن الوندال كانوا برابر همجيين أبادوا وأحرقوا الأخضر واليابس في طريقهم، فحتى القلة التي بقيت من الموروسي لم تسلم منهم، جاء في الموسوعة الإنجليزية المجلد الاول، (The English Cyclopaedia, Part 1, Volume 1) ص879: “في عهد هونوريوس الفندال الذين إستقروا في جنوب إسبانيا، غزوا شمال إفريقيا سنة 428م بدعوة ملكهم جينسيريك، بدعم من الكونت بونيفاس الروماني، فقاموا بأفضع الأعمال الوحشية، وطهروا البلاد من سكانها السابقيين “.{راجع هنا}
سادسا : في مسألة فتح الأندلس وعروبة الجيش الفاتح
إذا كانت الروايات المتأخرة تبخس من دور العرب في فتح الأندلس، فإنه في المقابل نجد المصادر المعاصرة لفتح الأندلس تؤكد أن العرب هم أصحاب الإنجاز اددون غيرهم.
فالحقيقة أن فتح الأندلس كان على يد طارق بن زياد الجنرال العربي وجيش أغلبه من العرب ومنهم بعض من البربر، وهناك مجموعة من المصادر المعاصرة تؤكد هذا بشكل قطعي دون مزايدة نسردها كالتالي :
أولا : قول عبد الملك بن حبيب (790م) في “كتاب التاريخ“: “ حدثنا ابن وهب (740م) قال وجه موسى بن نصير مولاه طارقاً إلى تلسمان وأمره أن يتعاهد سواحل البحر ومراسيه، ويجعل عليها رصداً لعله أن يصيب من سفن الروم فيجد فيها شيخاً عنده علم ففعل، فظفر به فقال له : هل تعرف في علمك من يفتتح الأندلس .؟؟ قال: يفتتحها معكم قوم يقال لهم البربر وهم على دينكم فكتب طارق بذلك إلى موسى بن نصير، فحشد البربر وبعث إليه منهم ألف رجل وكتب موسى إلى طارق… “.
في هذه الرواية دليل صريح على عروبة طارق من جهة وأنه لا ينتمي للبربر حيث إن الشيخ قال لطارق “يفتحها معكم قوم يقال لهم البربر “، فلو كان طارق من البربر لقال له الشيخ يفتحها قومكم أي البربر. وعلى عروبة جيشه الفاتح من جهة أخرى بحيث أن البربر الذين بعتهم موسى لطارق لا يتجاوز عددهم الألف بينما جيش الفتح كان عدده 12 ألفا. (راجع هنا، ص143)
ثانيا ؛ يقول الإمام المؤرخ ابن قتيبة الدينوري (828-889م) وهو يتكلم عن فتح طارق الأندلس ونباهة خطبته للجيش الفاتح ؛ 《 فلما بلغ طارقاً دنوه منهم . قام في أصحابه، فحمد الله ، ثم حض الناس على الجهاد، ورغبهم في الشهادة وبسط لهم في آمالهم . ثم قال : أيها الناس، أين المفر، البحر من ورائكم، والعدو أمامكم ، فليس ثم والله إلا الصدق والصبر، فإنهما لا يغلبان، وهما جندان منصوران، ولا تضر معهما قلة ، ولا تنفع مع الخور والكسل والفشل والاختلاف والعجب كثرة . أيها الناس ما فعلت من شيء فافعلوا مثله، إن حملت فاحملوا، وإن وقفت فقفوا، ثم كونوا كهيئة رجل واحد في القتال، ألا وإني عامد إلى طاغيتهم، بحيث لا أتهيبه حتى أخالطه أو أقتل دونه، فإن قتلت فلا تهنوا ولا تحزنوا، ولا تنازعوا فتفشلوا، وتذهب ريحكم، وتولوا الدبر العدوكم، فتبددوا بين قتيل وأسير 》؛ وفي هذه الخطبة دليل صريح على عروبة طارق وجيشه أيضا ؛ بل وأكد ابن قتيبة عروبة هذا الأخير قائلا ؛ 《إذا فتح هذا البيت دخل هؤلاء الذين هيئاتهم هكذا، هذه البلاد فملكوها .فكان دخول المسلمين من العرب إليه في ذلك العام》.
ثالثا : مخطوطة “المدونة البيزنطية – العربية” (Chronica Byzantia-Arabica)، ويعود تاريخها للعام 743 أو 744م، وكتبت باللغة اللاتينية، وهي تتحدث عن العرب وعن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك (Hulit) وبعض الأمور التي قام بها في خلافته، ومنها فتح إسبانيا والقضاء على مملكة القوط على يد قائده موسى بن نصير (Musae).
جاء في مقتطف من هذا المخطوط “وفي الأجزاء الغربية أيضًا، هوجمت مملكة القوط، الراسخة في صلابتها القديمة..بواسطة قائد جيش يُدعى موسى”. (راجع هنا)
رابعا : مخطوطة المدونة المستعربية” (Chronica Muzarabica)، ويعود تاريخها للعام 754م، وكتبت باللغة اللاتينية، وهي تتكلم عن العرب وحروبهم في خلافة الوليد بن عبد الملك (Ulit)، جاء فيها قام رودريق (Rudericus) بالاستلاء على عرش إسبانيا، وحارب العرب والبربر الذين أرسلهم موسى بن نصير (Muze) مع طارق بن زياد (Taric Abuzara) والآخرين، ولكنه انهزم وضاعت المملكة والبلاد، وبعدها بفترة عبر موسى بن نصير بنفسه المضيق إلى إسبانيا، ويلاحظ القارئ أن هناك خلطًا بين طارق بن زياد وبين أبو زرعة طريف بن مالك صاحب الحملة الاستطلاعية إلى الأندلس، وهذا أمر يتكرر في عدد من المصادر الأوروبية.
جاء في مقتطف من المخطوط : ” في هذا الوقت، في السنة الرابعة من حكمه، في السنة 748 من حكمه، أرابوس 642… غزا رودريق المملكة بشكل مضطرب من قبل مجلس الشيوخ الصاعد، وملك سنة واحدة. فالجيش المتجمع ضد العرب، ومن معهم من المسلمين، الذي أرسله موسى، أي طارق أبو زرعة وآخرين، الذين عهد إليهم منذ فترة طويلة بمهمة الإغارة وتدمير معظم المدن “. (راجع هنا)
ومن خلال هذا النص يتبين لنا أن العرب كانوا أساس الجيش مع بعض المسلمين من قومية أخرى.
خامسا : الكتاب السادس من “تاريخ اللومبارد” (Historia Langobardorum) لبولس الشماس (Paulus Diaconus)، ويعود تاريخه إلى أواخر القرن الثامن الميلادي، وكتب باللغة اللاتينية، ويتناول الفصل العاشر خبر قيام السارسان (العرب) القادمين من مصر بغزو إفريقية واستيلائهم على قرطاج، أما الفصل السادس والأربعين، فيذكر خبر قيام السارسان (العرب) الذين عبروا من سبتة بإفريقية بغزو إسبانيا، كما يتطرق للحديث عن معركة بلاط الشهداء.
جاء في مقتطف من الكتاب : “ثم سار السارسان (العرب)..من مصر إلى إفريقيا بأعداد كبيرة، واستولوا على قرطاج المحاصرة، التي تم إخلاء سكانها بقسوة وسجدت على الأرض.في ذلك الوقت، عبر جنس السارسان (العرب) من أفريقيا في مكان يسمى سبتم (Septam)، فغزا إسبانيا كلها”.
النص الأصلي :
“Tunc Sarracinorum gens infidelis et Deo inimica ex Aegypto in Africam cum nimia multitudine pergens, obsessam Cartaginem cepit captamque crudeliter depopulata est et ad solum usque prostravit.
46. Eo tempore gens Sarracenorum in loco qui Septem (Septa) dicitur ex Africa transfretantes, universam Hispaniam invaserunt. ” (Source here)
سادسا : “مدونة مواسياك” (Chronicon Moissiacense)، ويعود تاريخها للعام 818م، وكتبت باللغة اللاتينية، ويذكر النص أنه عندما كان يحكم إسبانيا ملك القوط غيطشة (Witiza) – الذي كان متفانيًا في حب النساء، واقتدى به الكهنة والشعب في عيش حياة الترف، حتى أثار غضب الرب – دخل السارسان (العرب) إسبانيا، وجعل القوط رودريق (Rudericus) ملكًا عليهم، فواجه السارسان (العرب) بجيش كبير، وانهزم أمامهم وسقطت مملكة القوط، وفي غضون عامين أخضع السارسان (العرب) كامل إسبانيا تقريبًا “.
النص الأصلي :
“His temporibus in Spania super Gotos regnabat Witiza, qui regnavit annis VIII et menses III. Sarraceni tunc in Spania ingrediunt……, Sarracenis obviam venit in prelio, sed inito prelio, Goti debellati sunt a Sarracenis. Sicque regnum Gotorum in Spania finitur et infra duos annos Sarraceni paene totam Spaniam subiciunt “. (Source here)
سابعا: السور الذي شيده الجيش الفاتح الذي دخل مع طارق وموسى سمى” بسور العرب”، يخبر ابن بطوطة في رحلته للأندلس أن بقايا سور جبل طارق سميت “سور العرب” ، فيكون هذا دليل في اتجاه عروبة طارق بن زياد و جيشه. حيث جاء نقلا عن الكتاب مايلي : ” ومنه كان مبدأ الفتح الأكبر، وبه نزل طارق بن زياد مولى موسى بن نصير عند جوازه، فنسب إليه، فيقال له : جبل طارق وجبل الفتح ؛ لأن مبدأه كان منه، وبقايا السور الذي بناه ومن معه باقية إلى الآن، تسمى بسور العرب شاهدتها أيام إقامتي به عند حصار الجزيرة”.
فلو لم يكن الجيش غالبه العرب لما سمى هذا السور بسور العرب.
سابعا : العلوم عند الأندلسيين العرب
لطالما إهتم العرب بالعلوم منذ فجر الإسلام، وكان لهم دور كبير في ترسيخ ركائز العلم الحديث.
يقول العالم والفقيه إبن صاعدالأندلسي القرطبي (1029-1070م)، في كتابه {طبقات الأمم} :
“ فاما الطبقة التي عنيت بالعلوم فثمانية أمم الهند والفرس والكلدانيون والعبرانيون واليونانيون والروم وأهل مصر والعرب “.
يقول الطبيب والمؤرخ وعالم الإجتماع الفرنسي غوستاف لوبون (1841م) ؛ 《إن فضل الشرق في تأثيره في الغرب يعود إلى العرب وحدهم، وأما الشعوب التي حلت محل العرب، وإن اتفق لها شيء من التأثير السياسي أو الديني لم يكن تأثيرها العلمي والأدبي والفلسفي في غير درجة الصفر》. (راجع هنا / النسخة الأصلية هنا)
وفي دراسة إحصائية حديثة أجراها المجلس الأعلى للتحقيقات العلمية الإسباني {Consejo Superior de Investigaciones Científicas }، على أكثر من 11 ألف مخطوط لعلماء أندلسيين مختلفين، خلصوا إلى أن ما يقارب 85% من العلماء هم عرب الأصول والأنساب، بينما شكل المولودون نسبة 13%، والبربر 2%.
وقد تصدر قائمة العلماء العرب في الأندلس قبائل الأنصار بما يعادل 950 عالم، ثم القيسيون بما يعادل 390 عالم، ثم اللخميون بما يعادل 350 عالم، وتليهم بنو تجيب بما يعادل 290 عالم، وبعدهم تأتي قبيلة الأزد بما يعادل 220 عالم، وبنو معافر بما يعادل 210 عالم، وبنو غافق بما يعادل 190 عالم وغيرهم كما هو مبين في المبيان أسفله.
تاسعا ؛ الأصول الجينية لسكان الأندلس
إن الأصول الوراثية لسكان الأندلس هي مشرقية مع إختلاط إفريقي قليل ونستعين هنا بما جاء في تقرير الجزيرة الوثائقية المنشور سنة 2023 :
يتضح لنا من خلال هذا التقرير العلمي أن مسار هجرة سكان الأندلس في العصر الإسلامي كان عبر خطين الأول منطلقه من الشرق الأوسط مرورا بشمال إفريقيا ثم الاندلس والثاني من أوروبا (بيزنط).
وهذا تؤكده الدلائل الاركولوجية والجينية معا، فتحليل رفاة أربعة وثلاثون فردا ينتمون للسنوات الاولى للفتح الإسلامي ببامبلونة أكد أن هؤلاء الأشخاص كانوا مشارقة الاصول يحملون سلالات جينية مشرقية، وكانت السلالات موزعة على الشكل التالي:
● وفي دراسة أركولوجية جينية جديدة في الساحة العلمية حيث نشرت في مارس من سنة 2024 وقد أشرف عليها 14 مركزا علميا بقيادة الدكتورة Rebecca Anne MacRoberts من جامعة إيفورا بالبرتغال، وخصت هذه الدراسة مقبرة مدينة شنترين بالبرتغال، مؤرخة بين القرنين 8-10م، إذ نجح العلماء في إستخراج جينوم ثلاث عينات من هذا الموقع، وكانت أصولهم مشرقية صرفة ؛ حيث ظهرت العينة الذكرية رقم [2334-F] على السلالة الأبوية J1 وهي سلالة مشرقية مرتبطة بالعرب وعلى السلالة الأمومية HV24 المشرقية الأصل كذالك ؛
أما العينة الأنثوية [HS-1584] فظهرت على السلالة الأمومية H3ap ؛ والعينة الأنثوية الثالثة [HS-931] كانت على السلالة الأمومية J1b1a1 المشرقية الأصل.
وقد جاء في مقتطف من هذه الدراسة أن نسبة الجينوم العربي تبلغ 10% لدى سكان الجزيرة الأيبيرية ؛ 《 نفس الفرد يحمل المجموعة الفردانية Y-chromosome J1، التي لها أصول شرق أوسطية واضحة، وتوجد نسبة عالية منها في شمال أفريقيا. على وجه التحديد، يصل تكرار هذه المجموعة الفردانية إلى 40-80% تقريبًا عبر شبه الجزيرة العربية وأكثر من 30% في تونس والجزائر والمغرب. في المقابل، يبلغ متوسط تكرارها حوالي 5% في أوروبا وما يعادل 10% في أيبيريا 》.
وهو نفس ما سبق أن جاء في دراسة جينية ل David Caramelli المنشورة سنة 2015 عن السلالات الشائعة لدى الإسبان : “ وأظهرت السلالات J1-M267 وJ2-M172 نسبا عالية وخاصة الأخيرة. من المحتمل أن يكون وجود المجموعة الفردانية الفرعية J1-M267 في أيبيريا نتيجة للمهاجرين العرب الذين دخلوا شبه الجزيرة أثناء التوسع الإسلامي. على النقيض من ذلك، يبدو أن J2-M172 مرتبطة بالمستعمرات اليونانية والفينيقية التي تم تأسيسها بشكل جيد على الأقل منذ الألفية الأولى قبل الميلاد في شبه الجزيرة، وخاصة في الأندلس الساحلية“ .
● كما نضيف حول التأثير العربي الجيني في الإسبان المعاصرين، يمكن إستدلاله أيضا في السلالتين J و E-m35 فكلاهما سلالتين كما اسلفنا نشؤا في المشرق العربي.
____
مقالات ذات صلة :
مقال الأصول الوراثية لسكان الأندلس(هنا)
مقال طارق بن زياد الصّائِدِيُّ (هنا)
مقال معركتي القرن والأصنام (هنا)
مقال حضارة الأنداس العربية (هنا)
مقال جدلية علم الجينات وتحديد الأصول (هنا)