تاريخ وأحداث

إكتشاف العرب لأمريكا

منذ 531 عاما، وبالتحديد في يوم 3 أغسطس من عام 1492م، قام كريستوفر كولومبوس ومعه 88 بحارًا ببدء رحلة لاكتشاف العالم الجديد، وكانت الرحلة تاريخية، إقترنت بأكبر خرافة عرفها العالم وهي إكتشاف كولومبس قارة أمريكا، فكيف يكون مكتشفها، والعرب أشاروا لوجودها ووصف سكانها قرون قبل ولادته، وسنوضح في مقالنا هذا متى إكتشف العرب أمريكا وفي أي حقبة زمنية هل بعد كولومبس أم قبله.

أولا : ذكر قارة أمريكا في كتب الجغرافيين العرب قديما

إن أول إشارة لبلاد أمريكا عند العرب قديما، جاءت في كتاب “مُرُوج الذَّهَب وَمَعَادِن الْجَوْهَر“، للعالم والجغرافي العربي أَبُو الْحَسَن عَلِيّ ٱبْن الْحُسَيْن ٱبْن عَلِيّ الْمَسْعُودِيّ (896-957م)، بحيث يقول في فصل طويل : “وعلى الحد بين البحرين أعني بحر الروم وبحر أوقيانوس المنارةُ النحاسُ، والحجارة التي بناها هِرَقْلُ الجبار، على أعلاها الكتابة والتماثيل مشيرة بأيديها أن لا طريق ورائي لجميع الداخلين إلى ذلك البحر بحر الروم؛ إذ كان بحر لا تجري فيه جارية ولا عمارة فيه، ولا حيوان ناطق يسكنه، ولا يحاط بمقداره، ولا تُحدرَى غايته، ولا يعلم منتهاه، وهو بحر الظلمات والأخضر والمحيط وقد قيل إن المنارة على غير هذا الزُقَاق، بل في جزير من جزائر بحر أوقيانوس المحيط وسواحله. وقد ذهب قوم إلى أن هذا البحر أصل ماء سائر البحار، وله أخبار عجيبة قد أتينا على ذكرها في كتابنا أخبار الزمان في أخبار من غَررَ وخاطر بنفسه في ركوبه، ومن نجا منهم، ومن تَلِفَ، وما شاهدوا منه، وما رَأوْا، وأن منهم رجلاً من أهل الأندلس يُقال له خشخاش، وكان من فتيان قرطبة وأحْدَاثها فجمع جماعة من أحد اثها، وركب بهم مرِاكب استعدها في هذا البحر المحيط، فغاب فيه محة ثم انثنى بغنائم واسعة، وخبَرُه مشهور عند أهل الأندلس وبين هذه المنارة المنصوبة“.

إقرأ أيضا:قراءة وتحميل كتاب التاريخ الاجتماعي لدرعة لمؤلفه أحمد البوزيدي

وعليه فمن خلال قول المسعودي، فإن الملاحين العرب قد حاولوا الوصول لهذه البلاد عدة مرات من قبل، منهم من نجا، ومنهم من تلف، لكن أول محاولة بائت بالنجاح هي للأميرال العربي الخشخاش بن سعيد بن أسود الغساني (القرن 9م)، الذي إستطاع هو وأبناء عمومته بلوغ الأرض المجهولة { بلاد أمريكا } من الأندلس، وجاؤوا بغنائم من ذهب ومعادن وكنوز كثيرة، وكانت هذه الرحلة مشهورة عند أهل الأندلس، وقد أشار المسعودي إلى موقع تلك الأرض، وثبتها في الخارطة، التي رسمها بنفسه، وكتب عليها عبارة «الأرض المجهولة»، وهي في موضع قارة أمريكا حاليا.

صورة الأرض للمسعودي (950م)، سمى فيها أمريكا بالأرض المجهولة.

كما إن إبن عبد المؤمن الحميري، والشريف الإدريسي أشاروا لهذه المغامرة التي قام بها الخشخاش، قائلين : “ومن مدينة الأشبونة كان خروج المغرورين في ركوب بحر الظلمات ليعرفوا ما فيه وإلى أين انتهاؤه، ولهم بأشبونة موضع بقرب الحمة منسوب إليهم يعرف بدرب المغرورين، وذلك أن ثمانية رجال، كلهم أبناء عمٍ، اجتمعوا فابتغوا مركباً وأدخلوا فيه من الماء والزاد ما يكفيهم لأشهرٍ…“. (راجع هنا)

إقرأ أيضا:مذكرات باحث عن الحياة (الجزء الخامس)حينما حلقت الطيور نحو الشمال

وقبل الخشخاش وفريقه، لم يكن يعرف شيئ عن تلك البلاد وسكانها، حتى وصفها الخشخاش هي وأهلها، ولعل هذا الوصف الدقيق الذي جاء به الخشخاش هو نفسه الذي نقله العالم الجغرافي العربي السوري إبن الوردي الكندي (1292م) تفصيلا في كتابه «خريدة العجائب وفريدة الغرائب»، في فصل طويل كالتالي : “ ويسمى المظلم، لكثرة أهواله وصعوبة متنه فلا يمكن أحداً من خلق الله أن يلج فيه، إنما يمر بطول الساحل لأن أمواجه كالجبال الرواسي وظلامه كدر، وريحه ذفر، ودوابه متسلطة، ولا يعلم ما خلفه إلا الله تعالى ولا وقف منه بشر على تحقيق خبر، وفي ساحل هذا البحر يوجد العنب الأشهب الجيد، وحجر البهت وهو حجر من حمله أقبل الخلق عليه بالمحبة والتعظم وفضيت حوائجه وسمع كلامه وانعقدت عنه ألسنة الأضداد. ويوجد أيضاً بساحله حجارة مختلفة الألوان يتنافس أهل تلك البلاد في أثمانها ويتوارثونها ويذكرون لها خواص عظيمة. وفي البحر من الجزائر العامرة والخراب ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وقد وصل الناس منها إلى سبع عشرة جزيرة.

فمنها الخلدتان: وهما جزيرتان فيهما صنمان مبنيان بالحجر الصلد طول كل صنم مائة ذراع، وفوق كل صنم صورة من نحاس تشير بيدها إلى خلف، يعني: ارجع فما ورائي شيء. بناهما دو المنار الحميري من التبابعة، وهو ذو القرنين المذكور في القرآن.

إقرأ أيضا:أصل تسمية أسفي

ومنها جزيرة العوس: بها أيضاً صنم وثيق البناء لا يمكن الصعود إليه بناه أيضاً ذو القرنين المذكور. وبهذه الجزيرة مات الباني وقبره بها في هيكل مبنى بالمرمر والزجاج الملون. وبهذه الجزيرة دواب هائلة تنكرها المسامع.

ومنها جزيرة السعالي: وهي جزيرة عظيمة بها خلق كالنساء إلا إن لهم أنياباً طوالاً بادية، وعيونهم كالبرق الخاطف ووجوههم كالأخشاب المحترقة، يتكلمون بكلام لا يفهم ولا فرق بين الرجال والنساء عندهم إلا بالذكر والفرج، ولباسهم ورق الشجر ويحاربون الدواب البحرية ويأكلونها…،“. (راجع تتمة هنا)

يقول إبن الوردي : “جزيرة عظيمة بها خلق كالنساء إلا إن لهم أنياباً طوالاً بادية، وعيونهم كالبرق الخاطف ووجوههم كالأخشاب المحترقة، يتكلمون بكلام لا يفهم ولا فرق بين الرجال والنساء عندهم إلا بالذكر والفرج، ولباسهم ورق الشجر“.

وهذا الوصف الأخير مطابق لسكان أمريكا الأصليين (الهنود الحمر)، كما لو أن المؤلف كان يعيش بينهم، وهو ما يدل على تلاقح العرب مع تلك الشعوب منذ القدم.

⚫ أسرة الخشخاش بن سعيد وأصلهم

يعد الخشخاش من زعماء البحريين الذين أنزلهم بنو أمية في منطقة بجانة لحفظ السواحل، وأعطوهم إقـلـيـم أرش الـمـن، كـاقـطـاع لهم مقابل خدماتهم البحرية. وكان بيت بني الأسود الغساني من البيوت البحرية الشهيرة في الأندلس. (راجع هنا)

يحدثنا ابن حيان الأندلسي (1256م) عن هذه الأسرة في فصل طويل قائلا : “ قال عيسى : وفيها غزا سوار بن حمدون المحاربي – أمير العرب بغرناطة، من كورة البيرة البحريين الذين اختطوا مدينة بجانة بأمر الأمير المنذر وأخيه الأمير عبد الله، وقد بلغه حسن حالهم فيها واجتماع الناس إليهم واستخفافهم بمن جاورهم من العرب الغسانيين واستطالتهم عليهم وخوفهم منهم على أنفسهم لقلة عددهم، فقصدهم سوار في عرب البيرة المنتزين معه إلى حصن غرناطة طمعاً في انتهاز الفرصة منهم وإخراجهم عن موطنهم بجانة والانتصار لقومه الغسانيين منهم ؛ وكان عامل السلطان يومئذ على هؤلاء البحريين رجلا منهم اسمه عبد الرزاق بن عيسى…، فلما علم عبد الرزاق بخبره رهب شداته وذهب إلى مداراته ؛ فأخرج وجوه البحريين أصحابه إلى العرب الغسانيين جيرانهم، يستذمون بذمة جيرتهم ويستصفحونهم عن إجرام سفهائهم ويستشفعون بهم إلى سوار ابن عشيرتهم، ويسألونهم لقاءه واستلطافه لهم ووعظه فيهم، والرغبة إليه في الانصراف عنهم ومواثقته على إجمال عشيرتهم، فأسعفهم الغسانيون بذلك، وخرجت جماعة من وجوههم إلى سوار، منهم : سعيد بن أسود، وخشخاش ابنه، ومحمد بن عمر بن أسود ابن أخيه ..، وأبوه الأوهم بن مخلد الغساني وغيرهم، فلقوا سوارا وكلموه واستلطفوه حتى انصرف عنهم وهلك على نية ذلك. وصار مكانه سعيد بن جودی فعاد البحريون إلى التمرس بالغسانيين – الذين كانوا شفعاءهم… “.(هنا)

ثانيا : المراجع الأجنبية التاريخية التي أشارت لإكتشاف العرب لأمريكا

تتعدد المراجع الغربية التي أشارت إلى أسبقية العرب في إكتشاف بلاد أمريكا، لعل أهمها شهادات كولومبوس نفسه، الذي يقول في رسائله ومذكراته أنه رأى جزيرة حمراء (في رحلاته لأمريكا) يحكمها رجل عربي ينادى بأبي عبد الله، كما اكتشـف أن أهالي جزيرة سان سلفادور، يتكلمون ببعض الكلمات العربية مع بعض التحريف في النطق، وذكر أنه رأى في الهندوراس قبيلة سوداء مسلمة يطلق عليهم لقب إمامي.

وفي مذكراته الشخصية ذكر كولومبس أنه شاهد مسجدا في كوبا فوق رأس جبل، كما أن الأسلحة التي يستخدمها سكان هاييتي هي نفسها التي كانت تستعمل عند عرب إفريقيا. (راجع هنا/هنا/هنا)

ولا ننسى أن كولومبس إستعان في رحلته بملاحين عرب وبخرائط الجغرافيين العرب كالمسعودي والإدريسي وغيرهم، يقول والتر هـ. كونسر (Walter H. Conser)، أستاذ الدراسات الدينية والتاريخ في جامعة نورث كارولينا : “واصطحب كولومبوس ملاحين عربًا، وكان بعضهم من الماريسكو الذين أُجبروا على اعتناق المسيحية. وكان مترجمه لويس توريس من ماريسكو ويتحدث العربية “. (راجع هنا)

ومرافقة كولومبس للملاحين العرب معه، هو بسبب درايتهم ببحر الظلمات الذي سبق لهم أن جابو فيافيه منذ عهد الخشخاش، وهذا ما أكده العلماء في بحث على مجلة “ساينتيا للتأليف العلمي“، في عددها 88، قائلين : “فقد أجرى الملاحون العرب وتجار العبيد العرب اتصالات متكررة مع الأمريكتين “. (هنا)

كما أشارت «المجلة الأمريكية» في عددها الصادر في أبريل 1960م، أن الملاحين العرب اكتشفوا أمريكا ورسووا في عدة أماكن على الساحل الأمريكي قبل كولومبوس بنحو أربعة قرون. (راجع هنا)

أما الدوقة الإسبانية لويسة إزابيل (Luisa Isabel Álvarez)، فقد أوردت في كتابها القيم (Africa versus America) وثائق أندلسية قديمة لعرب الأندلس تصف بلاد أمريكا وسكانها وباقي التفاصيل عنها، وذالك قبل كولومبوس بقرون. (راجع هنا)

وفي سنة 1953م، أصدر البروفيسور البريطاني إم دي دبليو جيفريز (M D W Jeffreys) كتابا علميا مفصلا تحت عنوان (العرب إكتشفوا أمريكا قبل كولومبوس)، وقد ذكر فيه جميع الحقائق التاريخية والعلمية التي تؤكد ذالك. (راجع ك، هنا/هنا)

السابق
#زلزال_المغرب : نقاط حول الإغاثة
التالي
أصل تسمية أسفي

اترك تعليقاً