شهدت شبه الجزيرة الإيبيرية تأثيرًا عميقًا للحضارة العربية الإسلامية خلال فترة الحكم الأندلسي (711-1492م)، ليس فقط على المستوى الثقافي والعلمي، بل أيضًا على المستوى الجيني. فقد تركت الهجرات العربية والبربرية بصمتها في التركيبة السكانية للمنطقة، حيث تداخلت الأصول الجينية للسكان المحليين مع الوافدين من شمال إفريقيا والجزيرة العربية. وبعد سقوط الأندلس وطرد الموريسكيين، استمرت هذه التأثيرات الجينية كدليل ملموس على التمازج الحضاري والسكاني الذي امتد لقرون. يمثل هذا التداخل الجيني شهادة حية على عمق التواصل بين الثقافات والحضارات في تلك الفترة التاريخية.
وفي سبيل كشف درجة هذا التأثير العربي على جينات الأندلسيين نستعين بدراسة الدكتورة ناتالي جيرار الجينية المعنونة ب «التأثيرات العربية والبربرية في شمال أفريقيا في غرب البحر الأبيض المتوسط تم الكشف عنها من خلال النمط الوراثي للكروموسوم Y» ؛ تهدف الدراسة إلى تحليل التنوع في كروموسوم Y في منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط لتحديد التأثير الجيني لكل من العرب والبربر في السكان الحاليين. تم فحص هابلوتايب p49a,f TaqI، مع التركيز على الهجرتين الكبيرتين : الهجرة البربرية والهجرة العربية أثناء الحكم الإسلامي (711-1492م). تُظهر النتائج وجود هابلوتايب (Haplotypes) ذات أصول بربرية (Vb) وأخرى عربية (Va) بنسب متفاوتة في دول شمال إفريقيا (مثل المغرب والجزائر) وجنوب أوروبا (مثل الأندلس والبرتغال).
إقرأ أيضا:عرب شراقة (شراگة)المواد والطرق المستعملة ؛
أولا ؛ العينات الجينية: شملت الدراسة 2,196 عينة من أفراد غير مرتبطين من 22 مجموعة سكانية من شمال إفريقيا وأوروبا الجنوبية.
ثانيا ؛ العلامات الجينية المستخدمة: تم تحليل الهابلوتايب باستخدام موقع p49a,f على كروموسوم Y. وتم تحديد أنماط التعدد الجيني (haplotypes) باستخدام أدوات مختبرية دقيقة.
ثالثا ؛ تقنية التحليل: استخدمت تقنية TaqI مع تحليل “Southern blot” للكشف عن التغيرات الجينية. كما تم تحليل الأليلات الخاصة بأبناء السلالة الذكورية (الموروثة أبويًا) لتحديد الأصول السكانية.
رابعا ؛ دقة الأدوات المستعملة: تُعد العلامات الجينية المدروسة (p49a,f) دقيقة جدًا لتمييز الهجرات السكانية التاريخية حيث أنها تنتقل فقط عبر السلالة الذكورية، مما يجعلها أداة فعالة في تحديد الأصول.
الكشف عن التأثير الجيني العربي في بلاد المغرب والأندلس ؛
من خلال نتائج الدراسة إن النمط الجيني الذكوري Va، المرتبط بالأصول العربية، وُجد بنسبة عالية في شمال إفريقيا إذ تبلغ نسبته في الجزائر (53.9%) وفي تونس (50.6%) كما وجد في الأندلس بنسبة (15.5%)، مع ارتفاعه في شمال البرتغال بنسبة (22.8%)؛ بالإضافة إلى ذلك، وُجد في جنوب إيطاليا بنسبة 16.4%، وفي صقلية بنسبة 23.1%. مما يؤكد حقيقة وجود تأثير عربي كبير خلال فترة الحكم الإسلامي للأندلس، خاصة في جنوب إيبيريا.
إقرأ أيضا:المسلم المعاصر: بين الإقبال المادي والإدبار الروحي!وأما عن التأثير الجيني البربري فإن هابلوتايب Vb، المرتبط بالأصول البربرية وجد بنسبة عالية في السكان البربر بالمغرب بنسبة (63.5%)، وظهر أيضًا في جنوب البرتغال بنسبة (35.9%) والأندلس بنسبة (25.4%) لكنه منعدم في صقلية أو جنوب إيطاليا.
وإلى جانب هذه الدراسة هناك أيضا دراسة Rosario Calderón الجينية التي أكدت وجود روابط جينية قوية بين الأندلسيين والعرب خاصة حملة الألقاب العربية الأندلسية القديمة ؛ ونستعين بهذا المرفق من الدراسة للتوضيح ؛
ذكر النص من الدراسة وجود ألقاب إسبانية ذات أصول عربية وارتباطها بأنماط جينية محددة، حيث تم تحديد 11 لقبًا إسبانيًا بأصول عربية، منها 5 ألقاب أولى و6 ألقاب ثانية. وبالنسبة للجينات، تم الإشارة إلى السلالة J1-M267، التي تُعزى إلى التأثير العربي، وبلغت نسبة الأفراد المرتبطين بها 44.44% (4 من أصل 9 عينات) في 7-STR haplotypes، و22.22% (2 من أصل 9 عينات) في 17-STR haplotypes.
إقرأ أيضا:الموريونأيضًا، السلالة J2-M172، التي لها صلة بمنطقة البحر الأبيض المتوسط الشرقية (الشرق الأوسط)، وجدت بنسبة ارتباط تبلغ 60% في 7-STR haplotypes و26.67% في 17-STR haplotypes. وإجمالًا، تشير الدراسة إلى وجود ارتباط بين الألقاب ذات الأصول العربية والجينات التي تُظهر تأثيرًا عربيًا أو شرقيًا في الأندلس.